للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: حقيقة الإيمان عند المعتزلة]

يرى المعتزلة أن الإيمان الشرعي المعتبر مركب من أجزاء ثلاثة: اعتقاد بالقلب، وتصديق باللسان، وعمل بالجوارح. وهم بهذا يوافقون السلف الذين قالوا بهذا القول، واستدلوا له من الكتاب والسنة، وإنما الخلاف بين الفريقين يكمن في حكم العصاة من المؤمنين وليس هذا موضع إيضاح لجوهر هذا الخلاف فلذلك موضعه، غير أننا هنا نكتفي ببيان مذهب المعتزلة على حقيقته فنقول: إن الألفاظ المعبرة عن هذا المذهب قد اختلف من باحث لآخر. وقبل بيان المراد من جميع ما أورده العلماء من تعريفات للإيمان على مذهب هذه الفرقة أبدا بسرد بعض ما ورد من تلك الألفاظ. فهذا أبو أحمد ابن حزم الأندلسي يحكي عن المعتزلة وغيرهم قولهم: إن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين، والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح، وإن كل طاعة وعمل خير فرضا كان أو نافلة فهي إيمان (١). وحكى البغدادي عنهم قولهم برجوع الإيمان إلى جميع الفرائض مع ترك الكبائر (٢). أما ابن تيمية فحكى عنهم قولهم: إن الإيمان جماع الطاعات (٣). إلى غير ذلك من المصادر التي تحكي عنهم قولا واحدا، نأتي بعد ذلك إلى أبي الحسن الأشعري حيث ذكر عنهم أقوالا ستة، فقال:

واختلف المعتزلة في الإيمان ما هو على ستة أقاويل:

١ - فقال قائلون: الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها. وإن المعاصي ضربان: منها ما هو صغائر، ومنها ما هو كبائر. وإن الكبائر على ضربين، منها ما هو كفر، ومنها ما ليس بكفر. . الخ. والقائل بهذا القول هم أصحاب أبي الهذيل، وإلى هذا القول كان يذهب أبو الهذيل.

٢ - وقال هشام الفوطي: الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها، والإيمان على ضربين، إيمان بالله، وإيمان لله، ولا يقال إنه إيمان بالله.

٣ - وقال عباد بن سليمان: (الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغب فيه من النفل، والإيمان على وجهين: إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيء منه كافرا كالملة، والتوحيد، والإيمان لله إذا تركه تارك لم يكفر) اهـ.

٤ - وقال إبراهيم النظام: الإيمان اجتناب الكبائر.

٥ - وقال آخرون: الإيمان اجتناب ما فيه الوعيد عندنا وعند الله. ٦ - وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي يزعم أن الإيمان لله هو جميع ما افترضه الله سبحانه - على عباده، وأن النوافل ليست بإيمان وأن كل خصلة من الخصال التي افترضها الله سبحانه فهي بعض إيمان لله (٤). اهـ.

وهكذا فإن أغلب مؤرخي الفرق يحكي عن المعتزلة اتفاقهم على قول واحد، أما أبو الحسن الأشعري فجعل آراءهم ستة. وبعد إمعان النظر في ذلك كله وجدت أن جميع الآراء التي ذكرها الأشعري بالإضافة إلى ما تقدم، ترجع في جملتها إلى رأيين اثنين لا ثالث لهما.

والخلاف في تعدد الآراء إنما يرجع إلى اللفظ لا إلى الحقيقة، وهذان الرأيان هما:


(١) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٣/ ١٨٨).
(٢) ((أصول الدين)) (٢٤٩) ط١، مطبعة الدولة باستانبول، سنة ١٣٤٦هـ - ١٩٢٨م.
(٣) ((كتاب الإيمان)) (٢٨٠).
(٤) ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري, تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (١/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>