للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن القيم – رحمه الله – مبيناً أن الفسوق منه ما هو كفر يخرج عن الإسلام، ومنه ما لا يخرج عن الإسلام ( ... وأما الفسوق: فهو في كتاب الله نوعان: مفرد مطلق ومقرون بالعصيان، والمفرد: نوعان أيضاً: فسوق كفر يخرج عن الإسلام، وفسوق لا يخرج عن الإسلام، فالمقرون كقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات: ٧]. والمفرد: الذي هو فسوق كفر، كقوله تعالى: ... يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ [البقرة: ٢٦] وقوله عز وجل: وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ [البقرة: ٩٩]. وقوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة: ٢٠].وأما الفسوق الذي لا يخرج عن الإسلام، فكقوله تعالى: ... وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: ٢٨٢]. وكقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: ٦] ... (١).

من كلام ابن القيم؛ يتضح أن مرتكب الكبيرة فاسق؛ إلا أنه ليس بكافر، وأنتم معشر المعتزلة تقولون: إن مرتكب الكبيرة ليس كافراً لما معه من الإيمان بالله ورسوله؛ بل في منزلة بين منزلتين، فكيف تجعلون قتاله مثل قتال الكافر؟! ومما يدل على أن مرتكب الكبيرة لا يقاتل أنه مؤمن فاسق، وقد قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن قال: لا إله إلا الله لا يحل قتاله، لما روي ((أنه صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلاً من المسلمين قصد غفلته. قال: وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله، فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: أقتلته؟ قال: يا رسول الله أوجع في المسلمين، وقتل فلاناً وفلاناً، وسمى له نفراً، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال صلى الله عليه وسلم: أقتلته؟ قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: فكيف تصنع بـ لا إله إلا الله إذا جاء يوم القيامة؟ قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بـ لا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟)) (٢).

ففي هذا الحديث دلالة على أن من قال "لا إله إلا الله" لا يقاتل، وصاحب الكبيرة قد قال لا إله إلا الله، فدل على أنه لا يقاتل. والله أعلم.

المصدر:المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص ٢٧٥


(١) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٥٩، ٣٦٠).
(٢) رواه مسلم (٩٧) , من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>