دخل الإسلام البلدان وخاصة الشام، وكان الرهبان منتشرين في الصحاري والجبال حيث يقيمون صوامعهم فتأثر أتقياء الأمة وزهادها بهم، وكان في أول الأمر التأثر باللباس، وكثرة العبادات من الذكر والصلوات والصيام. فتأثرت الصوفية بذلك وانتقلت الرهبنة النصرانية مثل العزوف عن ملذات الحياة الدنيا وعن الزواج، ولبس الثياب البالية والمرقعة إليهم. حتى تسمى بعض أتقياء الأمة بالرهبان أمثال الصحابي الجليل أويس القرني رضي الله عنه الذي لقب براهب الأمة، والمردار أحد شيوخ المعتزلة سمي براهب المعتزلة، وأبو بكر المخزومي - ت٩٤هـ - راهب قريش، والدارمي - ت ٢٤٣هـ - راهب الكوفة.
ولقد تمسك كثير من الصوفية بقصص الزهد التي تنسب إلى المسيح عيسى عليه السلام والحواريين والاستشهاد بأعمال الرهبان ورجال الدين النصارى، والصوامع والخلوة.
وكذلك تأثروا بالدعوة إلى التسامح والحب الإلهي والمحاسبة الشديدة للنفس وتعذيبها والاعتراف للشيخ ورجل الدين بالذنب وطلب العفو والغفران منه.
وتأثر التصوف من النصرانية بفكرة المعرفة والشهود والتأمل والفناء، ومن ذلك ما ذهب إليه القديس (برنار) حيث يرى أن الحياة المسيحية الصوفية تنحصر في اتباع طريق النجاة، وطريق النجاة في نظره بأن يقوم العابد الزاهد بالبحث والتأمل في نفسه ثم في العالم ثم في الإله، ينتهي أولاً إلى الشهود والذي هو الإدراك اليقيني البعيد عن أي ريب في الحقيقة، وأخيراً ينتهي إلى الغيبوبة التي تكون الروح فيها شاغرة بنفسها فتسمو إلى مرتبة الاستمتاع بالصلة الإلهية، ولعل ذلك الإحساس أصل فكرة الفناء.
ويرى المتأله (أميرسون) أن المعرفة تكون بواسطة الزهادة أكثر منها بواسطة البحث الإنساني، وهي مناهج التأمل المرتبط بالتقدم الروحي ثم تنتهي إلى الاتصال بالله.
ويبين الدكتور/ حسن عاصي أن التشابه بين النصرانية والصوفية في ثلاثة مفاهيم وهي:
أ) الفقر: وقد ورد ذكره في انجيل لوقا " طوبى لكم أيها المساكين فإن لكم ملكوت الله، طوبى لكم أيها الجياع الآن فإنكم ستشبعون " ١/ ١٠٦.
ب) التوكل: وهو من مقامات الصوفية وجاء في إنجيل متى " لا تهتموا لأنفسكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون. انظروا إلى طير السماء فإنها لا تزرع ولا تحصد ولا تحزن وأبوكم السماوي يقوتها، أفلستم أنتم أفضل منها " ٦/ ٢٥ - ٢٦.
ج) الحب الإلهي: واستدل على ذلك بقوله " العابد يقف أمام معبوده، يخاطبه مخاطبة العاشق معشوقه والحبيب محبوبه ".
المصدر:مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي لمحمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) - ص٢٦، ٢٧