للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني غلوهم في الأولياء]

لقد غلا المتصوفة في الأولياء كما غلوا في الرسول صلى الله عليه وسلم غلوا شديدا حتى رفعوهم إلى منزلة الأنبياء ولم يقفوا عند هذا بل تجاوزوا بهم منزلة الأنبياء حتى أوصلوهم إلى منزلة الألوهية والربوبية فقعوا بذلك في عقائد باطلة تصطدم تماما مع العقيدة التي جاء بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ونحن هنا لا نريد أن نتتبع الانحرافات التي وقع فيها الصوفية تجاه الأولياء فإن هذا له باب خاص في البحث سيأتي وإنما غرضنا هنا هو الإتيان ببعض النماذج لكي نثبت بأن من أهم العوامل التي أدت إلى انحراف المتصوفة هو غلوهم في الأولياء وإليك البرهان على ما نقول:

١ـ الانحراف الأول: رفع مشايخهم إلى منزلة الألوهية والربوبية:

أولاً: النصوص عنهم من كتبهم: قال ابن عربي في منزلة القطب: (القطب هو مركز الدائرة ومحيطها ومرآة الحق عليه مدار العالم له رقائق ممتدة إلى جميع قلوب الخلائق ومنزلة حضرة الإيجاد والصرف فهو الخليفة ومقامه تنفيذ الأمر وتصريف الحكم وحاله الحالة العامية لا يتقيد بحال تخصيص فإنه الستر العام في الوجود وبيده خزائن الوجود والحق له متجل على الدوام وله من البلاد مكة ولو سكن حيث ما سكن بجسمه فإن محله مكة ليس إلا) (١).

وقال الدسوقي:

ومكنني في سائر الأرض كلها ... وفي الجن والأشباح والمردية

وفي أرض صين الصين والشرق كلها ... لأقصى بلاد الله تحت ولايتي

ففي هذا النص يتضح لنا جيدا بأن المتصوفة يعتقدون في مشايخهم ما لا يجوز اعتقاده إلا في الله عز وجل حيث اعتقدوا فيه بأنه منفذ للأمور ومصرف للحكم وأن خزائن الوجود كلها بيده.

ولو عرضنا هذه المعتقدات على الكتاب والسنة سنجد بأنها عقائد مخالفة تماما لما فيهما.

فالله سبحانه وتعالى قد أخبرنا في كتابه بأن كل الأمور بيده وأن جميع ما في الكون له سبحانه وتعالى لا يشركه فيه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي من أولياء الله عز وجل.

قال تعال قُل لِّمَنِ الأرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:٨٤ - ٨٥] وقال تعالى قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون: ٨٨ - ٨٩] وقال تعالى أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: ٥٤] فهذه الآيات كلها تفيد بأن كل ما في السماوات وما في الأرض لله سبحانه وتعالى لأنه المتصرف فيه وحده لا شريك له لأنه هو الذي خلقه وبالتالي فهو الذي يسيره لا يشركه في ذلك أي أحد من مخلوقاته مهما كانت منزلته ولذا نقول: إن زعم الصوفية بأن مشايخهم لهم التصرف في هذا الكون كذب محض لا يعتمد على أي دليل لا عقلي ولا نقلي بل هو زعم يؤدي بصاحبه إلى الشرك في توحيد الربوبية إن لم يتب منه لأن من الواجب لله سبحانه وتعالى إفراده في توحيد ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته والقول بأن للمشايخ تصرفا في هذا الكون يعتبر شركا في توحيد الربوبية يجب أن يتوبوا منه ويرجعوا إلى الله فيوحدوه حق توحيده.


(١) كتاب ((الإنسان الكامل)) و ((القطب الغوث الفرد من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي)) لمحمود العزب.

<<  <  ج: ص:  >  >>