[المطلب الرابع: إكرام الفاروق أهل البيت واحترامه إياهم]
ولم تكن هذه العلاقات من طرف واحد بل كل الأطراف كانوا معتنين بهذه العلاقات فكان الفاروق يجل أهل بيت النبي أكثر مما كان يجل أهل بيته هو، وكان يحترمهم ويقدمهم في الحقوق والعطاء على نفسه وأهل بيته، ولقد ذكر المؤرخون قاطبة أن الفاروق لما عيّن الوظائف المالية والعطاءات من بيت المال قدّم على الجميع بني هاشم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاحترامه أهل بيته عليه الصلاة والسلام.
فها هو اليعقوبي يذكر ذلك بقوله:
ودون عمر الدواوين، وفرض العطاء سنة (٢٠) وقال: قد كثرت الأموال فأشير عليه أن يجعل ديواناً، فدعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف (وكلهم أقرباء علي أخوه وأبناء عمه، هكذا كان الفاروق، فالعدل – العدل) وقال: اكتبوا الناس على منازلهم وابدءوا ببني عبد مناف، فكتب أول الناس علي بن أبي طالب في خمسة آلاف، والحسن بن علي في ثلاثة آلاف، والحسين بن علي في ثلاثة آلاف (اللهم إلا أهل السنة، فإنهم ذكروا في كتبهم أن الفاروق "فرض لأبناء البدريين ألفين ألفين إلا حسناً وحسيناً فإنه ألحقهما بفريضة أبيهما لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرضت لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم، وفرض للعباس خمسة آلاف درهم لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم "(طبقات ابن سعد)(٣/ ٢١٣، ٢١٤) وكتاب (الخراج) لأبي يوسف (ص٤٣ - ٤٤) ط مصر، وفتوح البلدان (ص٤٥٤، ٤٥٥) وكتاب (الأموال) لأبي عبيد بن سلام ولقد روى البلاذري، ويحيى بن آدم، والطرابلسي وغيرهم عن جعفر بن محمد الباقر عن محمد الباقر وعن عبد الله بن الحسن وعن علي بن أبي طالب "إن عمر أقطع علياً ينبع فأضاف إليها غيرها"(فتوح البلدان للبلاذري (ص٢٠) وكتاب (الخراج) ليحيى بن آدم (ص٧٨) ط مصر القديم والإسعاف في أحكام الأوقاف للطرابلسي (ص٨) ط مصر .. ولنفسه أربعة آلاف (ومع هذا لا يستحي من الله من يقول: إن عمر غصب حقوق أهل البيت، وهذا هو اليعقوبي يلطم على وجوههم لطمات من الحق الذي وفقه الله أن يقره ويعترف به، وعمر يومئذ أمير المؤمنين، وعلي دونه) .. وكان أول مال أعطاه مالاً قدم به أبو هريرة من البحرين (نعم! أبو هريرة الذي يبغضه القوم أشد البغض، ليس إلا لأنه روى أحاديث سمعها من لسان رسول الله في مناقب أصحابه البررة، وخاصة الصديق والفاروق، نعم! ذلك أبو هريرة الذي جاء بالمال، فأخذ كلهم من مال الله الذي أتى به هو) مبلغه سبعمائة ألف درهم، قال (يعنى الفاروق): اكتبوا الناس على منازلهم، واكتبوا بني عبد مناف، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم أتبعوهم عمر بن الخطاب وقومه، فلما نظر عمر قال: وددت والله أني هكذا في القرابة برسول الله، ولكن ابدءوا برسول الله ثم الأقرب فالأقرب منه حتى تضعوا عمر بحيث وضعه الله" (تاريخ اليعقوبي)(٢/ ١٥٣) ط بيروت).
وأما ابن أبي الحديد فقال: لا بل ابدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأهله، ثم الأقرب فالأقرب، فبدأ ببني هاشم، ثم ببني عبد المطلب ثم بعبد شمس ونوفل، ثم بسائر بطون قريش، فقسم عمر مروطاً بين نساء المدينة، فبقي منها مرط حسن، فقال بعض من عنده: أعط هذا يا أمير المؤمنين! ابنة رسول الله التي عندك يعنون أم كلثوم بنت علي عليه السلام، فقال: أم سليط أهديه فإنها ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تزفر لنا يوم أحد قرباً" (نهج البلاغة) لابن أبي الحديد (٣/ ١١٣، ١١٤).
هذا ولقد ثبت أن الفاروق كان يقدر ويكرم أهل البيت، ويكن لهم من الاحترام ما لم يكن للآخرين، وحتى وأهل بيته وخاصته.