للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الحاكم بأمر الله وعلاقته بعقيدة الدروز]

لابد لمن يتصدى للتعريف بالمذهب الدرزي، من أن يلقي الضوء على شخصية ذلك الرجل الذي يدعي أتباعه الدروز، أن اللاهوت ظهر في صورته الناسوتية.

هذا الرجل هو أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي، والذي لقب بـ (الحاكم بأمر الله).

ولد الحاكم بأمر الله سنة ٣٧٥ هـ الموافق لعام ٩٨٥ م، وقد تولى الملك بعد موت أبيه مباشرة في رمضان سنة ٣٨٦ هـ، وكان سادس الملوك العبيديين. ولكي تتمكن من أخذ فكرة واضحة قدر الإِمكان عن حياة هذا الحاكم الغامض، قسمنا حياته إلى ثلاثة أقسام أو أدوار (١)، متمايزة عن بعضها تمام التمايز. فالدور الأول: وهو دور حداثته، يبدأ من توليه الملك في الحادية عشرة من عمره، وينتهي بمقتل (برجوان) (٢) في سنة ٣٩٠ هـ الموافق لعام (١٠٠٠ م).

ويبدأ الدر الثاني: من تاريخ هذا الحادث حتى سنة ٤٠٨ هـ الموافق لعام (١٠١٧ م)، وهي السنة التي ادعى فيها الألوهية على يد حمزة بن علي.

أما الدور الثالث: فيبدأ من سنة ٤٠٨ هـ، حتى اختفائه ومقتله سنة ٤١١ هـ الموافق لعام (١٠٢١).

الدور الأول من سنة ٣٨٦ – ٣٩٠ هـ (٩٩٦ – ١٠٠٠ م): (ولي الحاكم بأمر الله الخلافة حدثا دون الثانية عشرة، في نفس اليوم الذي مات فيه والده (العزيز)، وكانت أمه أم ولد (٣)، وقد كانت حسبما تقول الرواية النصرانية المعاصرة، جارية رومية نصرانية من طائفة الملكية، وكان لها أيام العزيز نفوذ عظيم في الدولة، وكان لهذا النفوذ أثره بلا ريب في سياسة التسامح (٤) الواضح التي اتبعها العزيز نحو النصارى، وفي تقوية جانبهم ونفوذهم، وتمكنهم من مناصب النفوذ والثقة) (٥)

وأوصى العزيز قبل موته بولده ثلاثة من أكابر رجال الدولة وهم: (برجوان الصقلبي خادمه وكبير خزائنه، والحسن بن عمار زعيم كتامة، أقوى القبائل المغربية، وعماد الدولة الفاطمية منذ نشأتها، ومحمد بن النعمان قاضى القضاة، وكانت الوصاية الفعلية إلى الأول والثاني، ولم يلبث أن نشب الخلاف بين الرجلين واشتدت المنافسة بينهما.

وقام ابن عمار بتدبير الشؤون بادئ ذي بدء، ولقب في سجل تعيينه بأمين الدولة، وظهر ابن عمار بمظهر الطاغية المطلق، فكان يدخل القصر ويغادره راكبًا، وألزم جميع الناس بالترجل له، وأغلق بابه إلا على الخاصة والأكابر من شيعته. وأخيرًا وقع الانفجار، ووثبت جماعة كبيرة من الزعماء والجند بتحريض برجوان وتدبيره، وهاجمت الكتاميين في ظاهر القاهرة وأثخنت فيهم، فتوارى ابن عمار حينًا، واضطر أن يترك الميدان حرًا لمنافسه، عندئذ قبض برجوان على زمام الأمور) (٦). (وأوصبح لبرجوان مطلق السلطان، وركبه الزهو والغرور، وانغمس في الملذات ينعم بثروته الطائلة) (٧).


(١) (انظر ((دائرة المعارف الإسلامية)) (٧/ ٢٦٦ – ٢٧٠)، التي قسمت حياة الحاكم إلى ثلاثة أدوار. وكذلك انظر ما قسمه الدكتور حسن إبراهيم حسن – في ((تاريخ الإسلام السياسي والديني)) (٣/ ١٥٣) – لحياة الحاكم إلى أربعة أقسام، الأول من ٣٨٦ هـ - ٣٩٠، الثاني من ٣٩٠ – ٣٩٥ هـ، والثالث من ٣٩٦ – ٤٠١ هـ، والرابع من ٤٠١ – ٤١١ هـ.
(٢) أحد الأوصياء الثلاثة، الذين عهد إليهم العزيز برعاية الحاكم حتى بلوغه، وكان خصيا.
(٣) وهي المملوكة التي تبقى في الرق، ويكون لها أولاد من مالكها، وبعد موته تعتق لوجود ولد لها.
(٤) أو قل التخاذل لأن من سبقه في الدولة العبيدية كانوا متخاذلين حقا؟!.
(٥) محمد عبد الله عنان ((الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية)) (ص ٤١ - ٤٢).
(٦) محمد عبد الله عنان ((الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية)) (ص ٤٥ – ٤٧).
(٧) ((دائرة المعارف الإسلامية)) (٧/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>