للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فماذا كان موقف الحاكم خلال هذه الفترة الأولى من ملكه؟ (ولقد كان برجوان بلا ريب يحجبه ما استطاع عن الاتصال برجال الدولة وشؤونها، ويدفعه ما استطاع إلى اللهو واللعب، ولم يلبث أن فطن الحاكم إلى موقف برجوان واستئثاره بالسلطة، واستبداده بالشؤون، وكان الحاكم قد أشرف – في ذلك الوقت – على الخامسة عشر من عمره، وأصبح الطفل فتى يافعًا شديد اليقظة والطموح، وبدأ يثور لسلطته المسلوبة، ولذلك فقد حكم على برجوان بالموت، فاستدعى الحاكم الحسين بن جوهر، وعهد إليه بتلك المهمة. ومنذ ذلك الحين تناول الحاكم إدارة الدولة بيديه، ونظم له مجلسًا ليليًا يحضره أكابر رجال الدولة، وتبحث فيه الشؤون العامة) (١).

الدور الثاني من سنة ٣٩٠ – ٤٠٨ هـ (١٠٠٠ – ١٠١٧ م): افتتح الحاكم عهده الجديد كما ذكرنا بقتل برجوان وصيه ومدبر دولته، (غير أن الحاكم ما لبث أن اتبع ضربته بضربة دموية أخرى هي مقتل الحسن بن عمار زعيم كتامة – وأحد الأوصياء عليه – وفي سنة ٣٩٣ هـ قتل الحاكم وزيره فهد بن إبراهيم النصراني، بعد أن قضى في منصبه زهاء ستة أعوام، وأقام الحاكم مكانه علي بن عمر العداس (٢)، ولكن لم تمض أشهر قلائل حتى سخط عليه وقتله، وقتل معه الخادم ريدان الصقلي حامل المظلة. ثم قتل عددًا كبيرًا من الغلمان والخاصة سنة ٣٩٤ هـ، ثم تبع بذلك بمقتلة أخرى كان من ضحاياها الحسين بن النعمان الذي شغل منصب القضاء منذ سنة ٣٨٩ هـ، فقتل وأحرقت جثته، وزهق فيها عدد كبير من الخاصة والعامة، فقتلوا أو أحرقوا) (٣).

ولكي نعطي صورة واضحة عن هذه الشخصية الغامضة، نستعرض فيما يلي أقوال بعض المؤرخين ممن كانوا معاصرين لعهد الحاكم، أو كانوا قريبين من عهده:

ونبدأ بابن تغري بردي في (النجوم الزاهرة) الذي ينقل عن أبي المظفر بن قرأوغلي في تاريخه (مرآة الزمان) ما يلي عن الحاكم:

(وقد كانت خلافته متضادة بين شجاعة وإقدام، وجبن وإحجام، ومحبة للعلم وانتقام من العلماء، وميل إلى الصلاح وقتل الصلحاء.


(١) محمد عبد الله عنان ((الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية)) (ص ٤٨ – ٥٠).
(٢) أحد وزراء الدولة الفاطمية، تولى الوزارة لأول مرة بعد وفاة يعقوب بن كلس اليهودي أيام العزيز.
(٣) محمد عبد الله عنان ((الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية)) (ص ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>