للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: مذهب الماتريدية في صفات الله تعالى تعد الماتريدية من (الصفاتية)، وذلك لأنهم يثبتون بعض الصفات، ويثبتون لهذه الصفات معنى حقيقياً يقوم بذات الرب تعالى. فليست هي عندهم مجرد وصف الواصف أو نفي الضد (١).

وتأكد الماتريدية على أن إثبات هذه الصفات لا يستلزم التشبيه، إذ أنه لا شبه بين حقيقة الخالق والمخلوق، ولو كان إثبات الصفات يستلزم التشبيه للزم قدم المخلوق أو حدوث الخالق، وهذا ما لا يقوم به عاقل. قال الماتريدي: "ليس في إثبات الأسماء وتحقيق الصفات تشابه لنفي حقائق ما في الخلق عنه ... فلو كان لشيء منه شبه يسقط عنه من ذلك القدم، أو عن غيره الحدث ... ، فلو وصف بالشبه بغيره بجهة فيصير من ذلك الوجه كأحد الخلق" (٢).وقال أبو المعين النسفي: "إن الصانع القديم - جل ثناؤه - لا يشبه العالم، ولا شيئاً من العالم بوجه من الوجوه، لأن المتشابهين هما المتماثلان، والمتماثلان ما ينوب أحدهما مناب صاحبه، ويسد مسده ... فإن كان المتغايران ينوب أحدهما مناب صاحبه ويسد مسده من جميع الوجوه كانا مثلين من جميع الوجوه، وإن كان ينوب منابه، ويسد مسده من بعض الوجوه فهما مثلان من ذلك الوجه، ثم إنما ينوب أحدهما مناب صاحبه ويسد مسده في وجه من الوجوه إن استويا في ذلك الوجه، إذاً لو كان بينهما تفاوت في ذلك الوجه لما ناب أحدهما مناب صاحبه، ولا سد مسده، وإذا عرف هذا فنقول: إن الله تعالى لو كان مثلاً للعالم، أو لشيء من أجزائه من جميع الوجوه، لكان هو جل جلاله محدثاً من جميع الوجوه أو كان ما يماثله قديماً من جميع الوجوه. ولو كان يماثله بوجه من الوجوه لكان الله تعالى محدثاً من ذلك الوجه، أو ما يماثله من ذلك الوجه. والقول بحدث القديم من جميع الوجوه أو بوجه من الوجوه، أو بقدم المحدث من جميع الوجوه أو بوجه من الوجوه محال" (٣).

وما ذكرته الماتريدية من الدليل العقلي على نفي التشبيه من جهة أنه يستلزم الجمع بين النقيضين صحيح. ولكنهم ساروا على هذا الأصل فقط فيما أثبتوه من الصفات، وأما في بقية الصفات فهم على النقيض من ذلك، إذ يعتقدون أن إثباتها على حقيقتها يستلزم التشبيه والتجسيم، وهذا في الحقيقة تناقض، إذ أن القول في جميع الصفات واحد نفياً وإثباتاً، ولا دليل على التفريق.

وأما من ناحية علاقة الصفات بالذات، فقد قالت الماتريدية بأن صفات الله لا هي هو ولا غيره، إذ لو كانت الصفات عين الذات لكانت ذاتاً، ولو كانت غيراً لزم تعدد القدماء، لأن الغيرين هما اللذان يجوز انفكاك أحدهما عن الآخر.

قال الأوشي:

صفات الله ليست عين ذات ... ولا غيرا سواه ذا انفصال

قال ملا علي القاري: "أطلق الناظم صفات الله، فشملت صفات الذات وصفات الأفعال، فهي ليست عين الذات ولا غيرها ... لو كانت عيناً لكانت ذاتاً، ولو كانت غيراً لزم التركيب وهو من المحالات" (٤).


(١) انظر: ((التوحيد)) (ص ٤٩ - ٦٠، ١٢٨، ١٢٩)، ((التأويلات)) (ل ٣٣٧) الظاهرية، ((أصول الدين))، للبزدوي (ص ٢١، ٢٢) ((إشارات المرام)) (ص ١٠٧، ١٣٦).
(٢) انظر: ((التوحيد)) (ص ٢٤، ٢٥)، وانظر (ص ٤١، ١٠٧).
(٣) ((التمهيد)) (ص ١٣، ١٤)، وانظر: ((أصول الدين)) (ص ٣١ - ٣٣)، ((تبصرة الأدلة)) (ل ٨٦ - ١٠٠).
(٤) ((ضوء المعالي)) (ص ٢٤، ٢٥، ٢٦)، ((نثر اللآلئ)) (ص ٢٥ - ٢٧)، وانظر: ((التوحيد)) (ص ٣٣، ٥٥، ٥٩، ٦٩، ١٢٩، ١٣٠، ١٣٥)، ((أصول الدين)) (ص ٣٤، ٣٥) ((النور اللامع)) (ل ٤٠)، ((السيف المشهور)) (ل ١٣)، ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص ٢٧)، ((إشارات المرام)) (ص ١١٨، ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>