[المبحث التاسع: ابن عربي القطب الأعظم]
وبالطبع بعد أن يصف ابن عربي كل هذا الوصف الخرافي للأقطاب والأبدال والأوتاد فلا بد أن يخص نفسه بلقب من هذه الألقاب. وتأبى كرامة ابن عربي طبعاً أن يختار لقباً دوناً، أو مرتبة صغيرة فيعلن عن نفسه أنه القطب الأعظم الذي لا أعظم منه أبداً يقول بالنص:
"لا أعرف في عصري هذا أحداً تحقق بمقام العبودية مثلي وذلك لأنني بلغت في مقام العبودية الغاية بحكم الإرث لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا العبد المحض الخالص الذي لا يعرف للربوبية على أحد من العالم طمعاً، وقد منحني الله تعالى هذا المقام هبة منه، ولم أنله بعمل وإنما هو اختصاص إلهي" (اليواقيت والجواهر ص٦٥،٦٦) ..
فانظروا أين يضع ابن عربي نفسه، إنه يضعها في القمة العليا التي لا تدانيها قمة، ويدعي كذباً مع ذلك أنه نال ذلك باختصاص إلهي حتى لا يطالبه أحد بمسوغات هذا الاختيار ومؤهلاته.
وهكذا يعلن ابن عربي نفسه ملكاً متوجاً على مملكة الباطن التي صورها الخيال الشيطاني المريض لهذه العقلية الصوفية، ويجعل من نفسه قطب الأقطاب ووارث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلم الأعلام، ويتبعه على هذا كل شيوخ التصوف الذين جاؤوا بعده فيجعلون منه الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر ..
وهكذا استطاع هذا الزنديق دارس الفلسفة والديانات القديمة، وتخريفات الجاهلية في كل العصور أن يجمع كل ما درسه وينسج منه عقيدة وثنية جاهلية حمقاء ويلبسها بإتقان وثعلبية نادرة الآيات والأحاديث القرآنية فتروج بذلك بين أيدي جهلة المسلمين، ويتاجر بها مجموعة الشياطين الذين قادوا هذا الفكر الصوفي المنحرف عبر القرون، والذين برروا له كل هذا الكفر والانحراف.
وهكذا أخي المسلم تدرك الفارق بين الولاية الإسلامية القرآنية، وبين ولاية هؤلاء الشياطين فأولياء الرحمن وصفهم الله تعالى في كتابه فقال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:٦٣ - ٦٦].
فانظر كيف يمضون ليلهم كلهم في الصلاة ويستغفرون الله بعد ذلك ويخافون من عذاب النار مع ذلك، واسمع قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:٥٧ - ٦١].
فهؤلاء هم أولياء الله حقاً خائفون من ربهم مشفقون من عذابه، مؤمنون بربهم الواحد سبحانه وتعالى الذي ليس له ند ولا شريك ولا ظهير ولا معين، ومع كل ذلك يصلون ويصومون ويخافون أن لا يتقبل الله أعمالهم .. أين هؤلاء الأولياء الصادقون من أولياء الشيطان الذين يزعمون أن الله ملكهم الدنيا والآخرة، وأن الله أمنهم من كل خوف، وأنه صرفهم في العالم العلوي والسفلي وأن الله عقد لهم ألوية المجد والعز وجعلهم جلساءه وخاصته، وعقد لهم الولاية في السماء وبايعتهم الملائكة هناك .. الخ.