للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب السابع: إهانتهم الحسن بن علي رضي الله عنهما:]

وأما الحسن رضي الله عنه فلم يهن أحد مثل ما أهين هو من قبل الشيعة، فإنهم بعد وفاة أبيه علي رضي الله عنه جعلوه خليفته وإماماً لهم، ولكنهم لم يلبثوا إلا يسيراً حتى خذلوه مثل ما خذلوا أباه، وخانوه أكثر مما خانوا علياً رضي الله عنه.

يقول المؤرخ الشيعي اليعقوبي:

وأقام الحسن بعد أبيه شهرين، وقيل: أربعة أشهر، ووجه بعبيد الله بن عباس في اثني عشر ألفاً لقتال معاوية فأرسل معاوية إلى عبيد الله بن عباس فجعل له ألف ألف درهم، فسار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه ووجه معاوية إلى الحسن، المغيرة بن شعبة، وعبد الله بن شعبة وعبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن أم الحكم، وأتوه وهو بالمدائن نازل في مضاربه، ثم خرجوا من عنده وهم يقولون ويسمعون الناس: إن الله قد حقن بابن رسول الله الدماء، وسكن به الفتنة، وأجاب إلى الصلح، فاضطرب العسكر ولم يشك الناس في صدقهم، فوثبوا بالحسن، فانتهبوا مضاربه وما فيها، فركب الحسين فرساً له ومضى في مظلم ساباط، وقد كمن الجراح بن سنان الأسدي، فجرحه بمعول في فخذه، وقبض على لحية الجراح ثم لواها فدق عنقه.

وحمل الحسن إلى المدائن وقد نزف نزفاً شديداً، واشتدت به العلة، فافترق عنه الناس، وقدم معاوية العراق، فغلب على الأمر، والحسن عليل شديد العلة، فلما رأى الحسن أن لا قوة به، وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له، صلح الحسن مع معاوية:

ولقد يخجل القوم حينما يسمعون هذه الكلمة أعني صلح الحسن مع معاوية رضي الله عنهما ومبايعته إياه، ويتقولون بأشياء، ويتأولون بتأويلات يمجها العقل ويزدريها الفكر، وحصيلة ما يقولون إنه صالحه ولكنه لم يبايعه، ولم يسلم إمرته وخلافته. فنحن احترازاً من الإطالة نورد ههنا رواية واحدة من كتب القوم، ونظن أنها تكون كافية لمن أراد التبصر، ولقد أورد هذه الرواية كبيرهم في الرجال عن أبي عبد الله جعفر أنه قال:

إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما أن اقدم أنت والحسين وأصحاب علي، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وقدموا الشام، فأذن لهم معاوية وأعد لهم الخطباء فقال: يا حسن! قم فبايع، فقام فبايع، ثم قال للحسين! قم فبايع، ثم قال: يا قيس! قم فبايع فالتف إلى الحسين عليه السلام (بدل الحسن لما كان يعرف من شدته وإنكاره على أخيه في مسألة الصلح) ينظر ما بأمره، فقال: يا قيس! إنه إمامي يعني الحسين عليه السلام – وفي رواية: فقام إليه الحسن، فقال له بايع يا قيس! فبايع –" (رجال الكشي ص١٠٢) معاوية (تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢١٥).

وقد قال المسعودي الشيعي في كتابه أن الحسن رضي الله عنه لما خطب بعد اتفاقه مع معاوية رضي الله عنه قال:

يا أهل الكوفة! لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث خصال لذهلت: مقتلكم لأبي، وسلبكم ثقلي، وطعنكم في بطني، وإنى قد بايعت معاوية فاسمعوا وأطيعوا.

وقد كان أهل الكوفة انتبهوا سرداق الحسن ورحله وطعنوا بالخنجر في جوفه، فلما تيقن ما نزل به انقاد إلى الصلح" (مروج الذهب ٢/ ٤٣١).

وأهانوه إلى أن:

شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله الجعال الأزدي، فنزع مطرفة عن عاتقه، فبقي جالساً متقلداً السيف بغير رداء" (الإرشاد للمفيد ص١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>