للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: الطريقة النقشبندية على ثلاث طرق]

وقد قسم شيخ الطريقة النقشبندية السرهندي الطريقة النقشبندية إلى ثلاث طرق:

الأولى: قائلون بأن العالم موجود في الخارج بإيجاد الحق.

الثانية: يقولون بأن العالم ظل الحق سبحانه. وأن الوجود قائم بوجود الحق قيام الظل بالأصل. مثلا: إذا امتد الظل من شخص وجعل ذلك الشخص من كمال قدرته وصفات نفسه منعكسة فيه».وقد زعم السرهندي أنه غلبته الحال حتى وصل إلى مقام الظلية ووجد نفسه وسائر العالم ظلا كما تقول به الطائفة الثانية من النقشبندية. ظنا منه أن الكمال في وحدة الوجود (١).

الثالث: قائلون بوحدة الوجود. أي في الخارج موجود واحد فقط: وهو ذات الحق ... ويقولون: إن الحق متصف بصفات وجوبية وإمكانية، ويثبتون مراتب التنزلات، ويقولون باتصاف الذات الواحدة في كل مرتبة وأحكام لائقة بتلك المرتبة، ويثبتون للذات التلذذ والتألم، ولكن لا بالذات بل في حجب هذه الظلال المحسوسة الموهومة. ويلزم من هذا محظورات كثيرة شرعا وعقلا ... وهؤلاء الطائفة وإن كانوا واصلين كاملين ولكن كلامهم دل على طريق الضلالة والإلحاد وأفضاهم إلى الزندقة والإلحاد. فحكم بأن قولهم عين الزندقة والضلال ثم وصفهم بأنهم من الواصلين الكاملين (٢). مع أنه اعتذر عن القائلين بوحدة الوجود بأن قولهم بوحدة الوجود سببه السكر وغلبة المحبة لله (٣).غير أنه وافقهم على ذلك في كثير من أقواله، فزعم أنه لما وصل إلى مقام الفناء في الله «رأيت نفسي وكل فرد من أفراد العالم بل كل ذرة منه: الحق جل وعلا ورأيت نفسي عين جميع الذرات حتى وجدت تمام العالم مضمحلا في ذرة واحدة ... ثم وجدت صور العالم وأشكاله عين الحق تعالى موهومة ... فتذكرت عبارة (الفصوص) (٤) حيث قال: «إن شئت قلت: إنه أي العالم حق، وإن شئت قلت: إنه خلق. وإن شئت قلت: إنه حق من وجه ومن وجه خلق ... وبعد ما شرفت بعد الفناء بالبقاء لم أجد غير الحق ووجدت جميع الذرات مرآة لشهوده سبحانه. ولما رجعت إلى نفسي وجدت الحق سبحانه مع كل ذرة من ذرات وجودي» (٥). واعترف بأن عبارة (الفصوص) مشعرة بعدم التمييز بين الله وبين خلقه. وقد صدق في اعترافه هذا. وقد تقدم اعتراف مؤلف نقشبندي آخر بأن «الصوفية الوجودية هم القائلون بوحدة الوجود مثل الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي وغيره رحمهم الله الذين كانوا أرباب التوحيد، وأنهم معذورون لغلبة حالهم» (٦).

السرهندي يقول: وجدت الله عين نفسي. يقول أحمد السرهندي: «وجدت الله عين الأشياء كما قاله أرباب التوحيد الوجودي من متأخري الصوفية ... ثم وجدت الله في الأشياء من غير حلول وسريان، ثم وجدته سبحانه معها بمعية ذاتية، ثم رأيته بعدها ثم قبلها ثم رأيته سبحانه وما رأيت شيئًا وهو المعني بالتوحيد الشهودي وهو المعبر عنه بالفناء فوجدت الله عينها بل عين نفسي، ثم وجدته تعالى في الأشياء بل في نفسي ثم مع الأشياء بل مع نفسي» (٧).وسئل شاه نقشبند عن قول البعض «إذا تم الفقر فهو الله». فقال: هذا إشارة إلى الفناء. وأنشد يقول (٨):


(١) ((مكتوبات الإمام الرباني)) (ص١٤١).
(٢) ((مكتوبات الإمام الرباني)) السرهندي (١٣٨ - ١٣٩).
(٣) ((مكتوبات الإمام الرباني)) (ص٣٤٢).
(٤) أي ((فصوص الحكم)) لابن عربي الذي قال فيه الذهبي «إن لم يكن فيه كفر: فليس في العالم كفر».
(٥) ((مكتوبات الإمام الرباني)) (ص٣٣٤).
(٦) كتاب ((السبع الأسرار في مدارج الأخيار)) (٤٨ - ٥٠) ط: شركة مرتبيه مطبعة سي - استانبول ١٣٣١.
(٧) ((المواهب السرمدية)) (ص١٨٢) ((الأنوار القدسية)) (ص١٨١) ((البهجة السنية في آداب الطريقة النقشبندية)) (ص٧٨).
(٨) ((المواهب السرمدية)) (ص١٢٤) و ((الأنوار القدسية)) (ص١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>