للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع: مسائل الصوم والاعتكاف: قالوا: إن الصائم إذا ارتمس في الماء فسد صومه (١)، مع أن مفسداته إنما هي الأكل والشرب والجماع بالإجماع، ولهذا رجع عن هذه المسألة جمع منهم، واختاروا عدم الفساد لصحة الآثار بخلافها. ومن العجيب أن الصوم لا يفسد بالإيلاج على ما ذهب إليه أكثرهم، وقد رأيت في كتاب (الشرائع) الذي هو أحد كتبهم المعتبرة ما نصه: " ويجب الإمساك عن تسعة: الأكل والشرب والجماع قبلاً ودبراً على الأشهر، وفي فساد الصوم بوطئ الغلام (١٢٣/ ب) تردد، وإن حرم" (٢)، ثم ذكر بعد أسطر في فصل (ما يجب به الكفارة والقضاء): " تجب فيه الكفارة والقضاء على من كذب على الله ورسوله والأئمة، وفي الارتماس قولان: والأشبه أنه يجب القضاء لا الكفارة .. . " (٣) إلخ، فانظر هل من له عقل يرضى بمثل هذا الكلام؟ الذي هو بعيد عن الحق بمسيرة ألف عام، وقد روي عن الأئمة خلافه (٤)، وأجمع الأمة على أن كل ما يوجب الإنزال، فهو مفسد للصوم، سواءٌ كان الوطء في قبل أو دبر. وقالوا: إنَّ أكل جلد الحيوان لا يفسد الصوم، ولكن عند بعضهم، وعند بعض آخر منهم أن أكل أوراق الأشجار لا يفسد الصوم أيضاً، وعند بعضهم لا يفسد الصوم أكل ما لا يعتاد أكله (٥)، ومع هذا لو انغمس في الماء، يجب عليه القضاء والكفارة معاً عند هذا البعض، وإن لم يدخل شيء من الماء في حلقه وأنفه (٦).وقالوا: يستحب صوم يوم عاشوراء من الصبح إلى العصر (٧)، مع أن الصوم لا يتجزأ في شريعة أصلاً، بل يفسد بفساد جزء منه لقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [البقرة: ١٨٧].


(١) وهذا الأمر فيه إجماع من هذه الطائفة كما قرر ذلك (شيخ الطائفة) الطوسي في ((النهاية)) (ص ١٣١) , الطباطبائي ((العروة الوثقى)) (٢/ ٢٠٠).
(٢) ((شرائع الإسلام)) (١/ ٣١٩). وقد أباحوا للرجل إتيان المرأة في دبرها، وإن ذلك لا يفسد صومها، حتى لو أنزل الرجل، وينسبون ذلك إلى الأئمة كما روى الطوسي عن الصادق أنه سئل: "عن الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة؟ قال: لا ينقض صومها، وليس عليها غسل ". ((تهذيب الأحكام)) (٤/ ٣١٩). وأباحوا أيضاً التمتع بالمرأة في نهار رمضان بشرط عدم الإيلاج، فإن أمنى فلا بأس بصيامه، كما أخرج العاملي بإسناده عن علي رضي الله عنه أنه قال: " لو أن رجلاً لصق بأهله في شهر رمضان، فأمنى لم يكن عليه شيء ". ((وسائل الشيعة)) (١٠/ ٩٨).
(٣) ((شرائع الإسلام)) (١/ ٣١٩).
(٤) روى النوري بإسناده عن أبي جعفر أنه قال: " في الرجل يعبث بأهله في نهار رمضان حتى يمني أن عليه القضاء والكفارة ". ((مستدرك الوسائل)) (٧/ ٣٢٣).
(٥) الطباطبائي، ((العروة الوثقى)) (٢/ ٢٠٠) , ((فقه الخوئي)) (١٢/ ٦٨).
(٦) وينسبون الروايات إلى الأئمة في ذلك فأخرج العاملي عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يدخل الصائم رأسه في الماء؟ قال: لا ولا المحرم ". ((الوسائل)) (١٢/ ٥٠٩). وينظر ما قرره فقهائهم عند الطوسي، ((النهاية)) (ص ١٣٢) , ((فقه الخوئي)) (١٢/ ١٥٧).
(٧) وينسبون الروايات في ذلك إلى الأئمة، فعن عبد الله بن سنان قال: "سألت أبا عبد الله عن صيام عاشوراء، فقلت: ما قولك في صومه؟ فقال لي: صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كاملاً، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة ماء ... ". أخرجه العاملي، ((وسائل الشيعة)) (١٠/ ٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>