للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يخفى أن هذه الحركات مخالفة بالبداهة لمقاصد الشرع، ومنافية لحالة المناجاة.

وقالوا: إنَّ المصلي لو لعب بذكره وخصيتيه، بحيث سال منه المذي لا تفسد صلاته. وقال بعضهم: تجوز الصلاة إلى جهة قبور الأئمة بنية مزيد الثواب (١)، مع أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (٢).

وقالوا: يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير عذر وسفر، وذلك مخالف لقوله تعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [البقرة: ٢٣٨] وقوله تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [النساء: ١٠٣].

وقالوا: يجوز أن تصلي الصلوات الأربع - أعني الظهر والعصر والمغرب والعشاء - متصلاً بعضها ببعض لانتظار خروج المهدي، مع أن الله تعالى جعل لكل صلاة وقتاً. وقالوا: لا يجوز قصر الصلاة في سفر التجارة دون إفطار الصوم، مع أنه لا فرق بين الصلاة والصوم شرعاً، وقد نص على الفرق ابن إدريس وابن المعلم والطوسي وغيرهم (٣)، وروايات الأئمة تدل على عدم الفرق، ففي كتبهم الصحيحة روى معاوية بن وهب عن أبي عبد الله أنه قال: وإذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت. (٤). وقالوا: مَن كان في سفره أكثر من إقامته - كالمكاري والملاح والتاجر الذي يتردد (بفحص الأسواق) (٥) - فله أن يقصر صلاة النهار ويتم صلاة الليل، ولو أقام خمسة أيام في أثناء سفره أيضاً، نص عليه القاضي ابن البراج وابن زهرة وأبو جعفر الطوسي في (النهاية) و (المبسوط) (٦)، مع أن روايات الأئمة التي وصلت إليهم تدل على خلاف ذلك، ولم تفرق بين الليل والنهار، روى محمد بن بابويه في الصحيح عن أحدهما أنه قال: "المكاري والملاح إذا جدّ بهما سفر فليقصرا " (٧)، وروى (محمد) (٨) بن مسلم عن الصادق نحوه (٩).وقالوا: إن القصر في صلاة السفر مخصوص بالسفر إلى المسجد الحرام والمدينة المنورة، والكوفة وكربلاء، وهذا عند جمهورهم، وأما المختار لجمع - منهم المرتضى - فهو أن جميع مشاهد الأئمة لها هذا الحكم (١٠)، مع أن قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ [النساء: ١٠١] يدل على جواز القصر مطلقاً، وقد كان الأمير كرم الله تعالى وجهه يقصر صلاته في جميع أسفاره، ورواية ابن بابويه السابقة دالة أيضاً على الإطلاق. وقالوا: إنَّ صلاة الجمعة في غيبة الإمام لا تجب، بل زعم أهل أخبارهم أنها حرام (١١)، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: ٩] من غير تقييد بحضور الإمام.

المصدر:غرائب فقهية عند الشيعة الإمامية لمحمود شكري الألوسي


(١) والروايات في هذا المعنى كثيرة، فقد جعل (شيخ الطائفة) باباً بعنوان: (فضل الكوفة والمواضع التي يستحب فيها الصلاة منها، وموضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام والصلاة والدعاء عنده). ((تهذيب الأحكام)) (٦/ ٣٠)، ثم أورد روايات عديدة في فضيلة الدعاء والصلاة عند هذا القبر. وأخرج العاملي عن شعيب العقرقوفي: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من أتى قبر الحسين عليه السلام له من الأجر والثواب؟ قال: يا شعيب ما صلى عنده أحد ودعا إلا استجيب عاجله وآجله، قلت: زدني، قال: أيسر ما يقال لزائر الحسين عليه السلام: قد غفر لك فاستأنف اليوم عملاً جديداً ". ((وسائل الشيعة)) (١٤/ ٥٣٨).
(٢) رواه البخاري (١٣٣٠) , ومسلم (٥٣٠) , من حديث عائشة رضي الله عنهما.
(٣) يعني بابن المعلم: المفيد، وينظر كتابه ((المقنعة)) (ص ٣٧٤)؛ ابن إدريس، ((السرائر)) (١/ ٢٣٤).
(٤) ابن بابويه، ((من لا يحضره الفقيه)) (١/ ٤٣٧)؛ الطوسي، ((تهذيب الأحكام)) (٣/ ٢٢٠).
(٥) زيادة من مختصر التحفة (ص ٢١٧) يقتضيها السياق.
(٦) ينظر ما قاله (المحقق) الحلي، ((شرائع الإسلام)) (١/ ١٠١) , ابن إدريس، ((السرائر)) (١/ ٢٤٦).
(٧) الطوسي ((تهذيب الأحكام)) (٣/ ٢١٥) , العاملي ((وسائل الشيعة (٨/ ٤٩١).
(٨) في الأصل (عبد الملك) والتصحيح من كتب الشيعة.
(٩) الطوسي ((تهذيب الأحكام)) (٣/ ٢١٥) , العاملي ((وسائل الشيعة)) (٨/ ٤٩١).
(١٠) قال زين الدين العاملي: "فيتعين القصر إلا في أربعة مواطن: مسجدي مكة والمدينة المعهودين, ومسجد الكوفة والحائر الحسين ... ". ويعني بالمكان الأخير (كربلاء) ثم قال: "وألحق بعضهم به مشاهد الأئمة ". ((اللمعة الدمشقية)) (٢/ ٣٣٣ - ٣٣٤) , وينظر الرأي نفسه عند (علامتهم) الحلي في ((قواعد الأحكام)) (ص٨٣).
(١١) قال الطباطبائي بخصوص صلاة الجمعة: "وفي زمان الغيبة مستحبة جماعة وفرادى، ولا يشترط فيها شرائط الجمعة". ((العروة الوثقى)) (١/ ٧٤٢) , وينظر أيضاً ما قاله زين الدين العاملي، ((اللمعة الدمشقية)) (١/ ٣٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>