للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: حكم مرتكب الكبيرة عند مرجئة الفقهاء]

شرح شيخ الإسلام رحمه الله قول فقهاء المرجئة من مرتكب الكبيرة، فقال:

"ومما ينبغي أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة هو نزاع لفظي، وإلا فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء، كحماد بن أبي سليمان، وهو أول من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة، وغيرهم، متفقون مع جميع علماء السنة على:

أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد، وإن قالوا إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل، فهم يقولون: إن الإيمان بدون العمل المفروض، ومع فعل المحرمات، يكون صاحبه مستحقا للذم والعقاب، كما تقوله الجماعة.

ويقولون أيضا: بأن من أهل الكبائر من يدخل النار، كما تقوله الجماعة"، ثم قال:"فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرين باطنا وظاهرا بما جاء به الرسول، وما تواتر عنه: أنهم من أهل الوعيد، وأنه يدخل الجنة منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله إليها، ولا يخلد منهم فيها أحد، ولا يكونون مرتدين مباحي الدماء" (١).

ويقول أيضا رحمه الله تعالى: "وتنازع الناس في الأسماء والأحكام، أي في أسماء الدين، مثل: مسلم، ومؤمن، وكافر، وفاسق، وفي أحكام هؤلاء في الدنيا والآخرة".

ثم قال مبينا موقف المرجئة من هذا النزاع:

"وحدثت المرجئة، وكان أكثرهم من أهل الكوفة - ولم يكن أصحا عبدالله من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي وأمثاله - فصاروا نقيض الخوارج والمعتزلة، فقالوا: إن الأعمال ليست من الإيمان.

وكانت هذه البدعة أخف البدع، فإن كثيرا من النزاع فيها نزاع في الاسم واللفظ دون الحكم، إذ كان الفقهاء الذين يضاف إليهم هذا القول، مثل حماد ابن أبي سليمان، وأبي حنيفة، وغيرهما، هم مع سائر أهل السنة متفقين على:

أن الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم بالشفاعة، كما جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك.

وعلى أنه لابد في الإيمان أن يتكلم بلسانه.

وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة، وتاركها مستحق للذم والعقاب.

فكان في الأعمال: هل هي من الإيمان؟، وفي الاستثناء، ونحو ذلك، عامته نزاع لفظي"، ثم قال شيخ الإسلام:"وقد ذكر بعض من صنف في هذا الباب من أصحاب أبي حنيفة، قال: وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد كرهوا أن يقول الرجل: إيماني كإيمان جبريل وميكائيل، قال محمد: لأنهم أفضل يقينا، أو إيماني كإيمان جبريل، أو إيماني كإيماني أبي بكر، أو كإيمان هذان ولكن يقول: آمنت بما آمن به جبريل وأبو بكر (٢) " (٣).

ويقول: "والمرجئة تقول: هو - أي مرتكب الكبيرة -: مؤمن تام الإيمان، لا نقص في إيمانه، بل إيمانه كإيمان الأنبياء والأولياء، وهذا نزاع في الاسم.

ثم تقول فقهاؤهم ما تقوله الجماعة في أهل الكبائر:

فيهم من يدخل النار، وفيهم من لا يدخل، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، واتفق عليه الصحابة، والتابعون لهم بإحسان. فهؤلاء لا ينازعون أهل السنة والحديث في حكمه في الآخرة، وإنما ينازعونهم في الاسم" (٤).

ويقول: "وأما قول القائل: إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله، فهذا ممنوع، وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان، فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله لم يبق منه شيء.

ثم قالت الخوارج والمعتزلة: هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهو الإيمان المطلق، كما قال أهل الحديث.


(١) ((الإيمان)) (ص٢٨١ - ٢٨٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٩٨)؛ وانظر منه، (ص٢٤٤) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٥٨).
(٢) انظر: ((شرح الفقه الأكبر))، للقاري، (ص١٤٥)؛ والإمام الأعظم أبو حنيفة المتكلم، لعناية الله إبلاغ، طبعة سنة ١٣٩٠هـ، نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، (ص١٦٣ - ١٦٤).
(٣) ((الفتاوى)) (١٣/ ٣٨ - ٤١) باختصار.
(٤) ((منهاج السنة)) (٥/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>