للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء، فيخلد في النار. وقالت المرجئة على اختلاف فرقهم: لا تذهب الكبائر وترك الواجبات الظاهرة شيئا من الإيمان؛ إذ لو ذهب شيء منه لم يبق شيء، فيكون شيئا واحدا يستوي فيه البر والفاجر" (١).

ويقول: "وقد يجتمع في العبد نفاق وإيمان، وكفر وإيمان، فالإيمان المطلق عند هؤلاء ما كان صاحبه مستحقا للوعد بالجنة.

وطوائف أهل الأهواء من الخوارج، والمعتزلة، والجهمية، والمرجئة، كراميهم وغير كراميهم، يقولون: إنه لا يجتمع في العبد إيمان ونفاق.

ومنهم من يدعي الإجماع على ذلك، وقد ذكر أبو الحسن في بعض كتبه الإجماع على ذلك.

ومن هنا غلطوا فيه، وخالفوا فيه الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، مع مخالفة صريح المعقول.

بل الخوارج والمعتزلة طردوا هذا الأصل الفاسد، وقالوا: لا يجتمع في الشخص الواحد طاعة يستحق بها الثواب، ومعصية يستحق بها العقاب.

ولا يكون الشخص الواحد محمودا من وجه مذموم من وجه، ولا محبوبا مدعوا له من وجه، مسخوطا ملعونا من وجه.

ولا يتصور أن الشخص الواحد يدخل الجنة والنار جميعا عندهم، بل من دخل إحداهما لم يدخل الأخرى عندهم، ولهذا أنكروا خروج أحد من النار، أو الشفاعة في أحد من أهل النار.

وحكي عنه غالية المرجئة أنهم وافقوهم على هذا الأصل، لكن هؤلاء قالوا: إن أهل الكبائر يدخلون الجنة، ولا يدخلون النار مقابلة لأولئك.

وأما أهل السنة والجماعة، والصحابة، والتابعون لهم بإحسان، وسائر طوائف المسلمين، من أهل الحديث، والفقهاء، وأهل الكلام، من مرجئة الفقهاء، والكرامية، والكلابية، والأشعرية، والشيعة مرجئهم وغير مرجئهم، فيقولون:

إن الشخص الواحد قد يعذبه الله بالنار ثم يدخله الجنة، كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة.

وهذا الشخص الذي له سيئات عذب بها، وله حسنات دخل بها الجنة، وله معصية وطاعة، باتفاق هؤلاء الطوائف، لم يتنازعوا في حكمه، لكن تنازعوا في اسمه: فقالت المرجئة - جهميتهم، وغير جهميتهم - هو: مؤمن كامل الإيمان. وأهل السنة والجماعة على: أنه ناقص الإيمان؛ ولولا ذلك لما عذب، كما أنه ناقص البر والتقوى باتفاق المسلمين" (٢).

ومن النقول السابقة تتحرر مقالة فقهاء المرجئة في مرتكب الكبيرة، وأنهم يرون فيه ما يلي:

١ - أنه مؤمن كامل الإيمان، كإيمان جبريل، وإيمان الأنبياء والأولياء.

وبعض أصحاب أبي حنيفة نسب إلى إمامه وصاحبيه أبي يوسف وأبي محمد كراهة أن يقول الرجل: إيماني كإيمان الملائكة أو أبي بكر، وتقدم الكلام على ذلك.

٢ - أن الإيمان شيء واحد، وعليه فإيمان الفاسق كإيمان البر، فهما سواء في الإيمان.

٣ - أنه داخل تحت الذم والوعيد، ومستحق للذم والعقاب.

٤ - أن من أهل الكبائر من يدخل النار، لكنه لا يخلد فيها، ومنهم من لا يدخلها.

٥ - أن مرتكب الكبيرة لا يكفر، ولا يباح دمه لكبيرته.

٦ - أنه يجتمع في العبد طاعة ومعصية، ولا يجتمع فيه إيمان ونفاق.

وهذا بسبب الشبهة التي دخلت عليهم كما دخلت على سائر الفرق المخالفة، وهي أن الإيمان شيء واحد، لا يتبعض، بل إذا ذهب بعضه ذهب كله.

وأما اجتماع الطاعات والمعاصي فلا يمتنع على أصلهم؛ لأنها عندهم مرتبطة بالأعمال، وهي ليست من الإيمان.

ولذلك تراهم يعدون العاصي مؤمنا كامل الإيمان؛ لمجيئه بالإيمان عندهم.


(١) ((الإيمان)) (ص٣٨٦) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٠٣)؛ وانظر: ((جامع المسائل)) (٣/ ٢٣١).
(٢) ((الإيمان)) (ص٣٣٧ - ٣٣٨) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٥٣ - ٣٥٤)؛ وانظر: ((شرح الأصبهانية)) (٢/ ٥٨٧ "١٣٨) ت مخلوف"؛ و ((الفتاوى)) (١٦/ ٤٧٤ - ٤٧٥)؛ و ((منهاج السنة)) (٤/ ٥٧٠ - ٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>