للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: هل العشق أعظم من المحبة؟]

تبين مما تقدم أن مرتبة الفناء في الله والخروج عن طور البشرية يعتبر غاية الغايات عند النقشبندية وأن كل أذكارهم وطقوسهم إنما هي لأجل ذلك. وجعل محمد أمين الكردي العشق لمرتبة خواص الخواص: «ومحبتهم لله عبارة عن التعشق الذي ينمحي به العاشق عند تجلي نور معشوقه» (١). مع أن الله لم يذكر مرتبة أفضل من مرتبة يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:٥٤] وكذلك ((لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) (٢). ولم يقل: (يفنى فيهم ويفنون فيه) أو: (يعشقهم ويعشقونه). ولا يتصور مؤمن أن يحب الله أحدا أكثر من رسوله وأصحاب رسوله ولم يقل منهم أحد أنه يعشق الله أو أن الله يعشقه. وهذا هو قول العز بن عبد السلام.

والعشق لفظ أفتى ابن عبد السلام بمنع استخدامه فيما يتعلق بمحبة الله كما في فتاويه (ص ٧٢). وقال ابن الجوزي: «العشق عند أهل اللغة لا يكون إلا لما ينكح». ونقل عن أبي الحسن النوري أنه سمع رجلا يقول: «أنا أعشق الله عز وجل وهو يعشقني. فقال له: سمعت الله يقول يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: ٥٤] , وليس العشق بأكثر من المحبة» وإنما يكثر التكلم عن الفناء والعشق عند الهندوس البراهمة كما اعترف به النقشبنديون بأن ما يحصل لهم من المكاشفات والتجليات والفناء في الله شبيه بما يحصل للهندوس البراهمية فقالوا: «وبراهمية الهند وجوكية وفلاسفة اليونان لهم كثير من قسم التجليات الصورية والمكاشفات المثالية والعلوم التوحيدية وليس لهم من نتائجها سوى الفساد والفضاحة ولا نصيب لهم من الرحمن» (٣).

ولكن كيف سلموا للهندوس ذلك واعتبروا ذلك منهم كشفا وتوحيدا وهم يعلمون أنهم أكثر الناس شركا مما يؤكد أنهم إذا أطلقوا لفظ التوحيد فإنهم يعنون به وحدة الوجود! وقد ذكروا أن طريقة الذكر عند النقشبندية تورث في قلب الذاكر سر التوحيد حتى يفنى عن نظره وجود جميع الخلق ويظهر له وجود الواحد المطلق في المظاهر» (٤).

وذكر عبيد الله أحرار أن الله إذا تجلى في قلب العبد يمحو منه الغير فلا يبقى فيه إلا هو، فيسمع القلب حينئذ (سبحاني ما أعظم شأني) و (أنا الحق) و (هل في الدارين غيري) (٥).وقالوا: إذا توجه الشيخ إلى قلب المريد تحصل للمريد الحركة العلمية: فيخرج من دائرة الإمكان إلى دائرة الوجوب (٦). وهذا الكلام يفهمه من يعلم ما اصطلح عليه علماء الكلام حيث يقسمون الموجودات إلى وجود واجب وهو الله، ووجود ممكن وهو كل ما سوى الله من المخلوقات. وخطر ببال أحد الواقفين أمام الشيخ محمد سيف الدين الفاروقي أن هذا الشيخ متكبر فعرف ما في قلبه وقال له: تكبري من تكبر الحق تعالى. والقصة نفسها منسوبة إلى بهاء الدين نقشبند (٧).وفي معنى قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: ١] , أي: أعطيناك شهود الأحدية في الكثرة» (٨). فهؤلاء اتحاديون وَحْدويون حلوليون يدعون إلى وحدة الوجود.


(١) ((تنوير القلوب)) ٤٨٧.
(٢) رواه البخاري (٦٥٠٢)
(٣) ((البهجة السنية في آداب الطريقة العلية الخالدية النقشبندية)) ٩ ((مكتوبات الإمام الرباني)) ٢١٨.
(٤) ((المواهب السرمدية)) ٩٠.
(٥) ((المواهب السرمدية)) ١٦٢.
(٦) ((نور الهداية والعرفان في سر الرابطة والتوجه وختم الخواجكان)) ٧٦.
(٧) ((المواهب السرمدية)) ٢١٥ ((الأنوار القدسية)) ٢٠٠ ((جامع كرامات الأولياء)) ١/ ٢٠٤ ((الحدائق الوردية في حقائق أجلاء الطريقة النقشبندية)) قارن بين ١٣٥ و٢٠٠ وحكاها السرهندي الفاروقي في مكتوباته ص ٧٩.
(٨) ((الأنوار القدسية)) ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>