للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: توضيح شبهة التركيب والرد عليها]

..... المعتزلة لم يشاركوا الفلاسفة إلا في القول بنوع واحد من أنواع التركيب الخمسة التي قالوا بها، ورتبوا عليه نفس النتيجة التي رتبها عليه الفلاسفة وهي تعطيل الله عز وجل عن صفاته جميعا.

وهذا النوع من التركيب المنفي عن الله عز وجل هو: تركيب الموجود في الذات والصفات.

ولقد بني المعتزلة هذه الشبهة على أن أخص وصف لله عز وجل هو: القدم، وهو إجماع عندهم. يقول الشهرستاني: "والذي يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد، القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته" (١).وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "ومقصود المعتزلة من قولهم: إن أخص وصف الرب القدم: أن لا يثبتوا له صفة قديمة؛ لامتناع المشاركة في أخص وصفه" (٢).

ونفي هذا النوع من التركيب في نظر المعتزلة من جهة أنه يوجب كثرة في القديم، وهذا يتنافى مع أخص وصف لله عز وجل: وهو: القدم. وإثبات صفة قديمة، يجعل القديم أكثر من واحد، أي: يكون مركبا؛ فـ: "لو كان موصوفا بصفات قائمة بذاته؛ لكانت حقيقة الإلهية مركبة من تلك الذات والصفات" (٣).فإن الصفات لو شاركته في القدم الذي هو أخص وصفه جل وعلا، لشاركته في الإلهية، ولكانت آلهة مثله بزعمهم (٤).والتركيب يستلزم الافتقار، في نظر المعتزلة، كما أنه يدل على الحدوث بزعمهم (٥).

وقد رد عليهم شيخ الإسلام هذا الزعم الباطل بجواب كاف شاف، من جهة التغاير في الصفات ضرورة، فإن الصفة الواحدة ليست هي عين الصفة الأخرى، وهذا مما لا يمكن رده.

فقال رحمه الله: "وإن قال نفاة الصفات: إثبات العلم والقدرة والإرادة مستلزم تعدد الصفات، وهذا تركيب ممتنع.

قيل: وإذا قلتم: هو موجود واجب. . فهذه معان متعددة متغايرة في العقل وهذا تركيب عندكم، وأنتم تثبتونه وتسمونه توحيدا.

فإن قالوا: هذا توحيد في الحقيقة وليس هذا تركيبا ممتنعا.

قيل لهم: واتصاف الذات بالصفات اللازمة لها توحيد في الحقيقة وليس هو تركيبا ممتنعا. وذلك أنه من المعلوم في صريح العقول أنه ليس معنى كون الشيء عالما هو معنى كونه قادرا، ولا نفس ذاته هو نفس كونه عالما قادرا، فمن جوز أن تكون هذه الصفة هي الموصوف فهو من أعظم الناس سفسطة" (٦)، وفساد مثل هذا القول معلوم بالضرورة (٧).فإن العقل الصريح يعلم أن كل صفة ليست هي الأخرى، ولا هي نفس الموصوف (٨).

ويلزم من قول المعتزلة أن الصفة هي عين الصفة الأخرى أو هي عين الذات يلزم منه أمران:

الأول: التناقض، فإن واجب الوجود لا بد أن يتميز عن غيره، والتميز لا يكون إلا بالصفات الثبوتية، مثل كونه حيا، عليما، قديرا. . ونحو ذلك، ويمتنع أن يكون كل معنى هو الآخر، أو أن تكون تلك المعاني هي الذات.


(١) ((الملل والنحل)) (١/ ٣٨). ((الشامل في أصول الدين)) (٢٥١).
(٢) ((تلخيص كتاب الاستغاثة)) (١/ ٣١٥)، بتصرف يسير.
(٣) ((شرح المقاصد)) (٤/ ٨٣).
(٤) ((الملل والنحل)) (١/ ٣٨)، ((شرح المقاصد)) (٤/ ٨٣).
(٥) ((الملل والنحل)) (١/ ٣٨)، ((شرح المقاصد)) (٤/ ٨٣).
(٦) ((التدمرية)) (٤٠)، ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٥٧)، ((منهاج السنة النبوية)) (١/ ٢٦٧)، ((الصفدية)) (١/ ١٢٧)، ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٤٥)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٨٣، ٨/ ٢٦٨).
(٧) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٦/ ٢٦٨). المسألة المصرية في القرآن، ضمن ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ١٦٦).
(٨) ((الصفدية)) (١/ ١٢٧)، ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٥٠٧)، ((شرح حديث النزول)) (٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>