للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الحادي عشر: الصفات الخبرية]

ويقصد بها الصفات التي ثبتت عن طريق الخبر من الكتاب والسنة كالوجه واليدين والعين، وغيرها كاليمين والقبضة، والأصابع، والحقو والساق. والملاحظ في مذهب الأشاعرة تفريقهم بين الصفات السمعية القرآنية والحديثية، فأكثر متقدميهم أو كلهم يثبت الصفات الواردة في القرآن كالوجه واليدين والعين. أما ما لم يرد إلا في الحديث فأكثرهم لا يثبتها، ثم منهم من يؤولها ومنهم من يفوض معناها (١).

أما متأخرو الأشاعرة فأكثرهم يتأول جميع الصفات الخبرية، ومن أثبتها منهم – سواء كانت عنده قولا واحدا، أو قولا ثانيا – فوض معناها.

وبعض الأشاعرة يجعل هذه الصفات معنوية كصفات العلم والحياة والقدرة، ولا يفرقون بينهما إلا أن هذه ثبتت بالعقل والسمع، وتلك طريقها السمع فقط. وأهل السنة لا يلتزمون هذا الاصطلاح فلا يسمون هذه بالصفات الخبرية لأن من الصفات المعنوية ما لا يعلم إلا بالخبر (٢).

المصدر:موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – ٣/ ١٢٢٤

أن الرازي استدل على وجوب تأويل الصفات الخبرية لاختلاف النصوص حيث ورد فيها: "بيده"، "أيدينا"، "بيدي"، "بأعيننا"، "على عيني" وقد رد عليه شيخ الإسلام بقوله: "إن دعواه أن لله أعينا كثيرة باطل، وذلك وإن كان قد قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر: ١٤] وقال: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا [هود: ٣٧] وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور: ٤٨] وقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس: ٧١] وقد قال في قصة موسى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ [طه: ٣٩ - ٤٠] فقد جاء هذا بلفظ المفرد في الموضعين، فلم يكن دعواه الظهور في معنى الكثرة لكونه جاء بلفظ الجمع بأولى من دعوى غيره الظهور في معنى الإفراد لكونه قد جاء بلفظ المفرد في موضعين، بل قد ادعى الأشعري فيما اختاره ونقله عن أهل السنة والحديث هو وطوائف معه إثبات العينين لأن الحديث ورد بذلك، وفيه جمع بين النصين، كما في لفظ اليد بل (لو) قال القائل: الظاهر في العين للمفرد أو المثنى دون المجموع لتوجه قوله، وذلك أن قوله "بأعيننا" في الموضعين مضاف إلى ضمير الجمع والمراد به الله وحده بلا نزاع، ومثل هذا كثير في القرآن يسمى الرب نفسه من الأسماء المضمرة بصفة الجمع على سبيل التعظيم لنفسه كقوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا [الفتح: ١] وقوله: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف: ٣٢] فلما كان المضاف إليه لفظه لفظ الجمع جاء المضاف كذلك فقيل: بأعيننا، وفي قصة موسى لما أفرد المضاف إليه أفرد المضاف فقال "ولتصنع على عيني"، وجعلوا أن هذا هو الأصل والحقيقة، فإن الله واحد، سبحانه، ومن احتج بما ذكره الله عن نفسه بلفظ الجمع على العدد، فهو ممن تمسك بالمتشابه وترك المحكم، كما فعل نصارى نجران ...

وهذا الكلام يقال في لفظ "أيدينا" مع قوله: مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥] وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: ٦٤]، فإن صيغة المضاف إليه هناك صيغة جمع بخلاف صيغة المضاف إليه في بقية الآيات، فجاء على لفظ المضاف إليه.


(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٢).
(٢) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (١/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>