للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من المرجئة إجمالا]

يمكن عرض موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من المرجئة من خلال الفقرات التالية:

أولاً: خطورة الإرجاء. بين شيخ الإسلام أن المرجئة فيما أثبتوه من إيمان أهل الذنوب، والرحمة لهم أحسنوا، لكن إنما أصل إساءتهم من جهة ما نفوه من دخول الأعمال في الإيمان وعقوبات أهل الكبائر (١).فالمرجئة مع قولهم بأن الله فرض الصلوات الخمس وغيرها من شرائع الإسلام، وحرم الفواحش (٢)، إلا أن قولهم بالإرجاء يضعف الإيمان بالوعيد، ويهون أمر الفرائض والمحارم (٣).ومن المرجئة من تسترسل نفسه في المحرمات وترك الواجبات، حتى يكون من شرك الخلق (٤).وقد نبه شيخ الإسلام أيضا على أن كثيرا من المرجئة لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب، أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، وما عرفوه منه قد لا يبينونه للناس بل يكتمونه، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة، ولا يذمون أهل البدع ويعاقبونهم، بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذما مطلقا، لا يفرقون بين ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وما يقوله أهل البدع والفرقة، أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة، وهذه طريقة منحرفة، خارجة عن الكتاب والسنة (٥).فخلاصة الأمر أن المرجئة قصروا في النهي عن المنكر، وفي الأمر بكثير من المعروف (٦).

ثانياً: الإرجاء بدعة، وأصحابه من أهل الأهواء.

البدعة التي يعد صاحبها من أهل الأهواء هي ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، وهذا الوصف يقع على بدعة الإرجاء، كما هو واقع على بدعة الخوارج، والروافض، والقدرية. ولذا فإن بدعة الإرجاء من البدع التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء (٧).كما أن بدعة المرجئة تشارك البدع السابقة في أن لها شبها في نصوص الأنبياء، بخلاف بدع الجهمية النفاة، فإنه ليس معهم فيها دليل سمعي أصلا، ولهذا كانت آخر البدع حدوثا في الإسلام (٨).

ثالثا: الإرجاء من الاختلاف المذموم. خلاف المرجئة من الاختلاف المذموم (٩)، وهو نزاع مبتدع في الإسلام، مسبوق بإجماع السلف على خلافه، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً؛ لمخالفته النصوص المستفيضة المعلومة، وإجماع الصحابة (١٠).

رابعا: المرجئة أصناف، ولكل صنف أحكامه.

مما يلاحظ حول موقف شيخ الإسلام من المرجئة أنه لم يجعلهم في دائرة واحدة يندرجون تحت حكم واحد، بل هم عنده أصناف ثلاثة، ولكل صنف منهم أحكامه:

الصنف الأول: مرجئة الفقهاء.


(١) انظر: ((الفتاوى)) (٢٠/ ١١١).
(٢) انظر: ((الفتاوى)) (١٧/ ١٠٥).
(٣) انظر: ((الفتاوى)) (٨/ ١٠٥)؛ و ((التدمرية))، (ص١٨٩ - ١٩٠) ((الفتاوى)) (٣/ ١٠٢)؛ و ((درء التعارض)) (٨/ ٢٣)؛ و ((جامع المسائل)) (٥/ ٣٧).
(٤) انظر: ((منهاج السنة)) (٥/ ٣٢٧).
(٥) انظر: ((الفتاوى)) (١٢/ ٤٦٧).
(٦) انظر: ((الفتاوى)) (٢٠/ ١١١).
(٧) انظر: ((الفتاوى)) (٣٥/ ٤١٤)؛ ومجموعة ((الفتاوى الكبرى)) (٢/ ٢٣)؛ و ((بيان التلبيس)) (٢/ ٤١).
(٨) انظر: ((الفتاوى)) (٥/ ٢٢٨)؛ و ((منهاج السنة)) (٥/ ٥٦١)؛ و ((التدمرية))، (ص١٨٩ - ١٩٣).
(٩) انظر: ((منهاج السنة)) (٥/ ٢٦٠).
(١٠) انظر: ((الفتاوى)) (١٣/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>