للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء على أيديهم ظهر الإرجاء، وكانوا أول من أحدث هذه الثلمة في الأمة - نعوذ بالله من الخدلان -.وقد كان قصدهم - عفا الله عنا وعنهم - أتباع الأمر والنهي، وتصديق الوعيد بالوعد، وجعل أهل القبلة كلهم مؤمنين ليسوا كفارا، فهم قابلوا الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، فصاروا طرفا آخر (١).وإذا ما قورنت بدعة هؤلاء بغيرها من البدع في الإيمان نجد شيخ الإسلام رحمه الله يصف بدعتهم بأنها أخف البدع، وأنها من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد، لكن البلاء في هذه البدعة أنها فتحت الباب لخطأ عظيم في العقائد والأعمال (٢).

ولذا اتفقت كلمة السلف على إنكار هذه المقالة، وذم أصحابها، وتبديعهم.

وكلمة السلف متفقة أيضا على عدم تكفيرهم، ومن ظن من السلف أنهم كفروهم، فقد أخطأ عليهم. يقول شيخ الإسلام: "ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحدا من مرجئة الفقهاء" (٣).

ويقول رحمه الله: "ثم إن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء - يعني مرجئة الفقهاء -، وتبديعهم، وتغليظ القول فيهم. ولم أعلم أحدا منهم نطق بتكفيرهم، بل هم متفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك، وقد نص أحمد وغيره من الأئمة على عدم تكفير هؤلاء المرجئة (٤).ومن نقل عن أحمد أو غيره من الأئمة تكفيرا لهؤلاء، أو جعل هؤلاء من أهل البدع المتنازع في تكفيرهم، فقد غلط غلطا عظيما" (٥).

ويقول: "وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير المرجئة، والشيعة المفضلة، ونحو ذلك. ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع - من هؤلاء وغيرهم - خلافا عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم، وهذا غلط على مذهبه، وعلى الشريعة" (٦).

ومما يقيد لشيخ الإسلام حول موقفه من هذا الصنف اهتمامه الشديد بتحرير النزاع بين مقالتهم ومقالة السلف في الإيمان. فهو يضعف النزاع بين الفريقين بأن "أكثره نزاع لفظي" (٧)، وأن "كثيرا منه نزاع في الاسم دون الحكم" (٨).وقال رحمه الله: "فكان خلاف كثير من كلامم للجماعة إنما هو في الاسم، لا في الحكم" (٩).وقال أيضا: "وإنما المقصود أن فقهاء المرجئة خلافهم مع الجماعة خلاف يسير، وبعضه لفظي" (١٠).

فالمتحصل أن شيخ الإسلام يصف الخلاف بين الفريقين بأنه يسير، وأن أكثره، أو كثيرا منه، أو بعضه لفظي.

وما مضى في مباحث الكتاب المتعلقة بمرجئة الفقهاء من كلام شيخ الإسلام نفسه كفيل بكشف حقيقة نزاعهم مع السلف في مسائل الإيمان.

والذي تبين من الدراسة أن بين الفريقين مواطن اتفاق، ومواطن اختلاف على النحو التالي:

أولا: مواطن الاتفاق:

١ - أن العمل المفروض واجب، وأن تارك الفرائض، وفاعل المحرمات مستحق للذم والعقاب.

٢ - أنه لابد في الإيمان من قول اللسان، وأن من لم يأت به مع قدرته عليه، فهو كافر.

٣ - أن إبليس وفرعون وغيرهما كفار مع تصديق قلوبهم، وأن من شتم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كافر باطنا وظاهرا.


(١) انظر: ((النبوات)) (١/ ٤٢٣)؛ و ((الفتاوى)) (١٣/ ٣٨) - (١٧/ ٤٤٦).
(٢) انظر: ((الفتاوى)) (٣/ ٥٧) - (١٣/ ٣٨)؛ و ((الإيمان)) (ص٣٧٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٩٤).
(٣) ((الإيمان)) (ص٣٧٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٩٤).
(٤) انظر: ((السنة))، للخلال (٣/ ٥٧٤) (رقم ٩٨٨).
(٥) ((الإيمان الأوسط))، ضمن ((الفتاوى)) (٧/ ٥٠٧)، " (ص٣٧٣ – ٣٧٤) ط. ابن الجوزي.
(٦) ((الفتاوى)) (٣/ ٣٥١ - ٣٥٢)؛ ونحوه في: ((الفتاوى)) (٢٣/ ٣٤٨).
(٧) ((الإيمان)) (ص٢٨١) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٩٧).
(٨) ((الفتاوى)) (١٣/ ٣٨).
(٩) ((شرح الأصبهانة)) (٢/ ٥٧٥)، (ص١٣٨) ت مخلوف.
(١٠) ((شرح الأصبهانية)) (٢/ ٥٨٥)، (ص١٤٣) ت مخلوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>