للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث التاسع: حقيقة العلاقة بين الرفاعية والتتار عار لا كرامة]

لقد عمل الصيادي على إعطاء الرفاعية في عهد دخول التتار إلى بغداد صورة مشرفة ودوراً بارزاً من غير إثبات تاريخي يدعم هذا الادعاء، إلا أن الوثائق التاريخية تشهد بخلاف ذلك. فقد بين الذهبي وغيره أن فساد الرفاعية تزامن مع دخول التتار إلى العراق بعد أن سقطت بأيديهم فقال: «قد كثر الزغل في أصحاب الشيخ أحمد وتجدد لهم أحوال شيطانية منذ أخذ التتار العراق». (١) وفي فوات الوفيات أن الرفاعية: «فسدت حالهم منذ مجيء التتار، وأنهم بدءوا يفعلون ما الشيخ بريء منه حين دخل التتار العراق. (٢)

إن هذين النصين ليؤكدان بوضوح على أن ابتداء هذه الخوارق إنما كان متزامنا مع دخول التتار العراق، حيث كان الرفاعية يتوددون إليهم بها ليدرؤوا شرهم أو لينالوا عندهم الحظوة والمكرمة والمكافأة على الخوارق التي كانوا يفعلونها أمامهم.

فقد روى المؤرخون عنهم أنهم كانوا يترددون على التتار، ويأوون عندهم ويقبلون منهم الهدايا والأعطيات. فذكر ابن كثير مثلا أن الشيخ صالح الأحمدي - وهو من أكابر مشايخ الرفاعية في وقته - كان يأوي إلى نائب التتار " قطلو شاه " ويقيم عنده وكان هذا الأخير يكرمه جداً. وهو الذي كان قد قال لابن تيمية أمام الأمير: «أحوالنا لا تتفق إلا عند التتار، وأما عند الشرع فلا» (٣) وقد اعترف الوتري والصيادي بمنزلة الشيخ صالح عند التتار وأنه كان يقيم عندهم ويكرمونه خلال إقامته عندهم. (٤)

إن خوارق الرفاعية قد أكسبتهم الحظوة والرضا عند التتار ومنعت عنهم القتل والتنكيل الذي أصاب كثيرا من المسلمين آنذاك، ولم تكن هذه الخوارق تحديا للتتار. إذ لو كان الأمر كذلك لشملهم القتل والتنكيل.

ولو كانت أحوالهم كرامات من عند الله فأين كانت هذه الكرامات عند دخول التتار عنوة إلى بغداد يوم قتل فيه أكثر من مليوني مسلم؟ أين كان التصرف في الأكوان، أين الأمان الذي تحقق بهم، ولماذا لم يرفعوا البلاء الذي نجد في كتب الرفاعية أن مشايخهم كانوا يرفعونه بالقضيب والعصا؟

- هل أسلم زعماء التتار على يد الرفاعية؟

ولقد أراد الصيادي أن يمحو هذه الصفحة المشينة من حسن العلاقات بين الرفاعية وبين التتار وعمل على استبدالها بصفحة أخرى مناقضة لها تماما.

فادعى أن للرفاعية الفضل في دخول التتار إلى الإسلام وتخليص الأمة الإسلامية من شرهم وفتنتهم حيث استولوا على بلاد المسلمين لفترة طويلة من الزمن، وقتلوا منهم مئات الآلاف واستذلوهم.

وذكر أن اثنين من كبار زعماء التتار دخلا الإسلام على أيدي الرفاعية هما: «هولاكو» و «غازان خان».أما هولاكو فذكر الصيادي أنه أسلم فزعاً من الشيخ عز الدين أحمد بن محيي الفاروثي بعدما رأى بعينه دخول النار وأكل الحيات. وادعى أن ابن كثير ذكر ذلك في تاريخه وبالتحديد في حوادث سنة أربع وتسعين وستمائة (٥) مع أن ابن كثير لم يذكر عن عز الدين هذا إلا أنه كان خطيبا فعزله السلطان عن الخطابة فألح عليه ألا يعزله وأخبره أنه يصلي كل ليلة مائة ألف ركعة ويقرأ في كل ركعة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١]


(١) ((العبر)) (٤/ ٢٣٣). ط: دار الكتب العلمية.
(٢) ((فوات الوفيات)) (٤/ ٢٤٠).
(٣) ((البداية والنهاية)) (١٤/ ٤٧ و ٣٦).
(٤) ((قلادة الجواهر)) (ص ٢٠٤)، ((روضة الناظرين)) (ص ١٤١)، وانظر ((الدرر الكامنة)) للحافظ ابن حجر (٢/ ٢٠١).
(٥) ((خزانة الإمداد في ذخيرة بني الصياد)) ٢٢١) – ٢٢٢)، ((روضة الناظرين)) (ص ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>