للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: رأي المعتزلة في الإرادة ومناقشتهم]

لقد اختلف المعتزلة في موقفهم من الإرادة، وأهم آراءهم في ذلك؛ رأيان: أحدهما: رأي البصريين ومن تبعهم من المعتزلة، ويتلخص هذا الرأي في أن الله تعالى مريد بإرادة حادثة لا في محل (١).

ثانيهما: للنظام والكعبي، ومن تبعهما: وهؤلاء ينفون الإرادة عن الله أصلاً.

وسنعرض - إن شاء الله - هذين الرأيين من أقوالهم، أو أقوال من نقل عنهم، ثم نرد عليهم، فنقول وبالله التوفيق:

الرأي الأول: رأي البصريين ومن تبعهم: يقول القاضي عبدالجبار: "وقال شيخنا أبو علي، وأبو هاشم - رحمهما الله - ومن تبعهما أنه تعالى مريد في الحقيقة، وأنه يحصل مريداً بعد ما لم يكن إذا فعل الإرادة، وأنه يريد بإرادة محدثة، ولا يصح أن يريد لنفسه ولا بإرادة قديمة، وأن إرادته توجد لا في محل" (٢).ويقول في موضع آخر: " ... واعلم أنه تعالى مريد عندنا بإرادة محدثة موجودة لا في محل" (٣).ويروي البغدادي رأي المعتزلة البصريين في الإرادة، فيقول: "إن البصريين من المعتزلة قالوا: إن إرادة الله تعالى ليست قديمة بل محدثة لا في محل، بها يخصص الله الأشياء بالوجود دون العدم" (٤).

من هذه النقول نستطيع أن نعرف رأي البصريين ومن تبعهم من المعتزلة في الإرادة، وهو أن الله تعالى مريد بإرادة حادثة لا في محل.

المناقشة:

علمنا من عرضنا لرأي البصريين من المعتزلة في الإرادة: أن رأيهم يتلخص في أن الله مريدا بإرادة حادثة لا في محل.

إذاً الرد عليهم سيتضمن - إن شاء الله - الرد على قولهم الله مريد بإرادة حادثة، ثم على قولهم لا في محل.

أ- الرد على قول البصريين "الله مريدا بإرادة حادثة ... ":إن قول البصريين بحدوث إرادة الله تعالى باطل؛ وذلك أنه قد ثبت أن إحداث المحدثات موقوف على الإرادة، فلو كانت الإرادة محدثة لافتقر إحداثها إلى إرادة أخرى ولزم التسلسل، والقول بالتسلسل باطل فما يؤدي إليه مثله من القول بحدوث الإرادة (٥).وأيضاً: فإن الإرادة صفة، والصفة قديمة بقدم موصوفها (٦)، كما بيناه في مقام سابق عند الرد على رأي جمهور المعتزلة في الصفات عامة.

ب- الرد على قول المعتزلة "الله مريد بإرادة ... لا في محل".

إن قول المعتزلة "الله مريد بإرادة ... لا في محل" باطل من وجوه منها: الأول: أن وجود عرض لا في محل بعيد عن العقول، ولو جاز ذلك فلم لا يجوز وجود سواد لا في محل وبياض لا في محل؟، وكذا القول في سائر الأعراض (٧) ... يقول الشهرستاني - في معرض رده على من قال بهذا القول-: "ويستحيل كون الإرادة لا في محل، فإن الإرادة من جملة الأعراض، واحتياج الأعراض إلى المحل صفة ذاتية لها، ومن المحال ثبوتها دون الوصف الذاتي ... " (٨).


(١) انظر ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٤٤٠).
(٢) ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (٦/ ٣).
(٣) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٤٤٠).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (ص١٨١).
(٥) ((الأربعين في أصول الدين)) (ص١٥٢، ١٥٤)، و ((نهاية الإقدام)) (ص٢٤٥)، بتصرف.
(٦) انظر ((منهاج السنة)) (٢/ ٩٥).
(٧) ((الأربعين في أصول الدين)) (ص١٥٤)، بتصرف.
(٨) ((نهاية الإقدام)) (ص ٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>