للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: حكم الإمامة]

الإمامة منصب خطير لابد من إقامته؛ إذ لا يمكن أن ينعم الناس بالحياة ويسود الأمن بينهم وتنتظم الأمور إلا بحاكم يكون المرجع في تطبيق الشرع وحماية الأمة وإقامة العدل بين أفرادها.

وقد أطبق على هذا جميع العقلاء، فماذا كان موقف الخوارج إزاء هذه المسألة؟

والجواب أنا نجدهم قد انقسموا فيها إلى فريقين:

الفريق الأول: وهم عامة الخوارج، وهؤلاء يوجبون نصب الإمام والانضواء تحت رايته والقتال معه ما دام على الطريق الأمثل الذي ارتأوه له.

الفريق الثاني: هم المحكمة والنجدات والإباضية فيما يقال عنهم، وهؤلاء يرون أنه قد يستغنى عن الإمام ولا تعود إليه حاجة إذا عرف كل واحد الحق الذي عليه للآخر فوفاه حقه ولم يتعد أحد على أحد بظلم أو أذى، ولكنهم يقولون: إن احتيج إليه فمن أي جنس كان ما دام كفئاً لتولي الإمامة، وهو ما تقول به عامة الخوارج. قال ابن حزم: " اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم " (١).ويقول المسعودي: إن النجدات يقولون: " إن الإمامة غير واجب نصبها" (٢).ويقول الأشعري: "وحكى زرقان عن النجدات أنهم يقولون: إنهم لا يحتاجون إلى إمام، وإنما عليهم أن يعملوا كتاب الله فيما بينهم" (٣).ويقول الشهرستاني عن النجدات حاكياً عن الكعبي: " وأجمعت النجدات على أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط، وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن هم رأوا أن ذلك لا يتم إلا بإمام يحمله عليه فأقاموه – جاز" (٤).


(١) ((الفصل)) (٤/ ٨٧).
(٢) ((مروج الذهب)) (٣/ ٢٣٦).
(٣) ((المقالات)) (١/ ٢٠٥).
(٤) ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٤)، وانظر: ((تاريخ الفكر العربي)) (ص ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>