[المطلب الأول: وسطيتهم بالنسبة لأسماء الله تعالى وصفاته بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام]
موضوع الأسماء والصفات من أهم مواضيع العقيدة ومن أكثرها مجالاً لخلافات الناس ولقد كانت من أسهل المواضيع ومن أقلها إشكالاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن خلفائه الكرام ولهذا لم يبحثوها ولم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لعلمهم التام وعقولهم الراجحة ومعرفتهم أن الكلام في الصفات فرع عن معرفة الذات حتى إذا ما ظهر قرن الشيطان من وراء علوم اليونان وفلسفاتهم وعلوم الكلام ومتاهاته. فإذا بها كما وصف المتنبي شعره ولغته (ويسهر الخلق جراها ويختصم).
وأخذ الخلاف فيها أشكالاً عديدة ووقعت الفتن التي لا يعلم مداها إلا الله وحده ولا يزال المسلمون يجترون آثارها إلى اليوم في مناقشات ومجادلات عقيمة سخيفة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يزداد بها الشخص إلا جهلاً وضلالاً وبعداً عن الفهم الصحيح لحقيقة الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته، وتظهر وسطية أهل السنة في باب الأسماء والصفات بمقارنة عقيدتهم بعقائد المخالفين من الفرق ذلك أن أهل السنة يؤمنون بأن لله أسماء وصفات حسنى وصف بها نفسه في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه العظيم آمن بها السلف كما وردت من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل.
- والمعتقد الأسلم والأعلم والأحكم التي حاد عنها أصحاب الأهواء والبدع عقوبة لهم على تركهم الكتاب والسنة وطريق المؤمنين وتقديمهم لأفكار الملاحدة من عتاة الحضارة اليونانية والهندية وغيرها وإذا نظرنا إلى عقائد أصحاب الأهواء والانحراف فسنجد أن بينهم وبين عقائد أهل السنة تفاوتاً بعيداً وتعارضاً صارماً، أما أهل التعطيل، فقد كان إيمانهم بصفات الله تعالى على أسوأ الاضطراب فقد نفوا عن الله تعالى اتصافه بالأسماء أو بالصفات بحجة تنزيه الله تعالى عن التشبيه كما قرره زعيمهم الجهم بن صفوان في أن إثبات أي صفة أو اسم لله تعالى فيه مشابهة لله بخلقه وهو كفر حسب زعمه فيجب عدم إثباته.
ومذهب الجهمية هذا كان أصرح من مذهب المعتزلة الذين أثبتوا أسماء الله تعالى ولكنهم نفوا صفاته ونفوا أن تدل الأسماء على معان ومدلولات وقد أرجعوا الصفات إلى الذات فقالوا سميع بذاته عليم بذاته ... إلخ.
وهذا الموقف الباطل يلحقهم بالجهمية إذ أن النتيجة واحدة وهي نفي الصفات ومدلولاتها.
وأما الأشاعرة فقد تناقض موقفهم حيث أثبتوا الأسماء وبعض الصفات ثم أولوا أو نفوا بعضها الآخر أو أرجعوها إلى الإرادة والمشيئة لا غير ومعلوم أن ما نفوه عن الله تعالى يعتبر تعطيلاً ويلزمهم أن يقولوا فيما نفوه مثل قولهم فيما أثبتوه وإلا كان إثباتهم ونفيهم تحكماً بلا دليل صحيح ومن هنا كان هؤلاء محل نقمة جميع الفرق عليهم أهل السنة والمعتزلة والجهمية وإذا كان من تقدم ذكرهم عطلوا الله تعالى عن ما يستحقه من معاني الأسماء الحسنى والصفات العليا فقد قابلهم فريق آخر من أصحاب الأهواء وهم المشتبهة ومذهبهم أن الله عزّ وجلّ في صفاته وأسمائه مثل الإنسان تماماً وذهب غلاتهم كهشام بن الحكم الرافضي وهشام بن الحكم الجواليقي ومقاتل بن سليمان وداود الجواربي وغيرهم إلى وصف الله عزّ وجلّ بأوصاف يتنزه عنها جل وعلا افتروا فيها على الله تعالى وطرقوا باباً حجبه الله عن الخلق وكل تلك الآراء مجانبة للحق بعيدة عن الصواب لأنها قامت على غير أساس ثابت كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ [إبراهيم:٢٦]. بسبب إعراضهم عن الحق الذي هدى الله إليه السلف وبسبب تشبعهم بعلم الكلام والفلسفة والمنطق وظنهم أنهم على شيء وأنهم أوتوا علماً غزيراً وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة: ٢٢] ومعلوم بالعقل أن الله تعالى لو سأل الشخص وقال له لماذا أثبتَّ لي الأسماء والصفات فأجابه بأني آمنتُ بها كما نطقتُ بها لكان هو الجواب الحق وهو أمر بدهي ولولا تنطع أصحاب الأهواء لما توقف أحد عن الإيمان بهذا فإن الله تعالى أعلم بنفسه وبما وصفها به من صفات عليا وأسماء حسنى وله المثل الأعلى.
فأهل السنة أثبتوا الأسماء والصفات دون أن ينساقوا إلى التشبيه بل لم يخطر في أذهانهم أن إثبات الأسماء والصفات يستلزم المشابهة والمماثلة لمعرفتهم أن الاتفاق في التسميات لا يلزم منه الاتفاق في الذات كما أنهم لم يعطلوا الله تعالى عن دلائل أسمائه وصفاته التي وصف بها نفسه بل أثبتوا من الأسماء والصفات ودلائلها كما يليق به تعالى وهو المسلك الحق الذي يجب اتباعه ونبذ ما عليه المعطلة والمشبهة أهل الإفراط والتفريط, ومثل وسطية أهل السنة والجماعة في هذا الباب وسطيتهم كذلك في الأمور الأخرى مثل ما يتعلق بأهل المعاصي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.