للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث: أقوال علماء الفرق عن معتقد الإسماعيلية في التكاليف الشرعية يقول الملطي: إن القرامطة – وهم فرقة من الفرق الإسماعيلية – يزعمون أن الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الفرائض نافلة لا فرض وإنما هو شكر للمنعم وأن الرب لا يحتاج إلى عبادة خلقه وإنما ذلك شكرهم فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل والاختيار في ذلك إليهم (١).ويقول البغدادي: إنهم تأولوا لكل ركن من أركان الشريعة تأويلا يورث تضليلا فزعموا أن معنى الصلاة موالاة إمامهم والحج زيارته وإدمان خدمته والمراد بالصوم الإمساك عن إفشاء سر الإمام واستدل البغدادي على إسقاط التكاليف الشرعية عندهم بالرسالة المتبادلة بين إمام الإسماعيلية (عبيد الله المهدي) وبين أحد دعاتهم ومما جاء في هذه الرسالة قوله وله الجنة إلا هذه الدنيا ونعيمها وهل النار وعذابها إلا ما فيه أصحاب الشرائع من التعب والنصب في الصلاة والجهاد والحج (٢) ويقول الحمادي اليماني: وهو ممن دخل مذهبهم واطلع على أسرارهم – أنهم في أول الدعوة يلبسون على المدعو فيحضونه على شرائع الإسلام لكنهم يخدعونه عن مواضعه وأقوال مزخرفة ويتلون عليه القرآن على غير وجهه ويحرفون الكلم عن مواضعه فإذا رأوا منه قبولا وانقيادا قالوا له لا تقنع لنفسك بما قنع العوام من الظواهر وتدبر القرآن ورموزه واعرف مثله وممثوله واعرف معاني الصلاة الطهارة والزكاة والصوم والحج فإن لهذه منقولات محجوبة وهو باطنها فالصلاة صلاتان والزكاة زكاتان وكذلك الحج والصوم وما خلق الله سبحانه من ظاهر إلا وله باطن فالظاهر ما تساوي به الناس وعرفه الخاص والعام وأما الباطن فقصر علم الناس عن العلم به فلا يعرفه إلا القليل فلا يزال الداعي ينقل مدعوه من درجة إلى أخرى حتى يحط عنه جميع التكاليف الشرعية ويقع ذلك من المستجيب موقع الاتفاق والموافقة؛ لأنه مذهب الراحة والإباحة يريحهم مما تلزمهم الشرائع من طاعة الله ويبيح لهم ما حظر عليهم من محارم الله (٣).

ويوضح الإمام الغزالي أن معتقدهم في التكاليف الشرعية الإباحة المطلقة ورفع الحجاب واستباحة المحظورات واستحلالها وإنكار الشرائع ويقول أنهم صنفوا الخلق وفق هذا المعتقد إلى صنفين.

الصنف الأول:

المستجيبون لدعوتهم وهؤلاء في نظرهم أحاطوا من جهة الإمام بحقائق الأمور واطلعوا على بواطن الظواهر حتى وصلوا إلى رتبة الكمال في العلوم وعندئذ تنحط عنهم التكاليف العملية وتنحل عنهم قيودها لأن المقصود من أعمال الجوارح تنبيه القلب لينهض لطلب العلم فإذا ناله استعد للسعادة القصوى وسقط عنه تكاليف الجوارح.

الصنف الثاني:

الجهال والأغبياء – أي المسلمون في زعمهم – الذين يجهلون بواطن الأمور وتأويلاتها فهؤلاء لا يمكن رياضة نفوسهم إلا بالأعمال الشاقة ولذا يكلفون بتأدية العبادات وأعمال الجوارح عقوبة ونكالا لهم. ويضيف الغزالي إلى أن هذا فن من الإغواء شديد على الأذكياء والغرض منه هدم قوانين الشريعة (٤).وللعلامة ابن تيمية رحمه الله عدة إشارات إلى هذا المعتقد لدى الإسماعيلية المتمثل في إسقاط التكاليف الشرعية ومما قاله في ذلك أنهم اعتبروا الشرائع المأمور بها والمحظورات المنهي عنها من الأمور المنفية وأن لها تأويلات باطنية تخالف ما يعرفه المسلمون منها فالصلوات الخمس معرفة أسرارها وصيام رمضان كتمانها وحج البيت السفر إلى شيوخهم (٥).

ونقل عن بعض رؤساء الباطنية أنه قال لأتباعه: قد أسقطنا عنكم العبادات فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة (٦). ويقول في موضع آخر أن الإسماعيلية خرجوا من التكليف بدعوى كمال التحقيق حيث يقول أحدهم إن العبد يعمل حتى تحصل له المعرفة وعندئذ يصل إلى الغاية وتسقط عنه العبادات التي تجب على العامة كالصلوات الخمس وصيام رمضان وحج البيت وتحل له المحرمات التي لا تحل لغيره. وينقل بعد ذلك اتفاق أئمة الإسلام على كفر من اعتقد هذا أو قاله لأن الأمر والنهي قائم على كل بالغ عاقل إلى أن يموت لقوله وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: ٩٩] والمراد باليقين هنا هو ما بعد الموت لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن عثمان بن مظعون: ((أما عثمان فإنه أتاه اليقين من ربه)) (٧).

المصدر:أصول الإسماعيلية لسليمان بن عبد الله السلومي – ٢/ ٦٦١


(١) ((كتاب التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع)) لأبي حسين الملطي (ص: ٢٠).
(٢) ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص/ ٢٨٠ – ٢٨٢).
(٣) ((كشف أسرار الباطنية)) للحمادي (ص: ١١ - ١٢).
(٤) انظر ((فضائح الباطنية)) للغزالي (ص: ٤٦ - ٤٧).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) ابن تيمية (ص: ٢٩٢).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) ابن تيمية (٥/ ٥٥٢).
(٧) انظر ((مجموع الفتاوى)) ابن تيمية (١١/ ٥٣٩ – ٥٤٠) (٤/ ١٦٣) والحديث رواه البخاري (٢٦٨٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>