للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول: مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان ولا يصح الإيمان إلا به قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:٤٩] وقال تعالى: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا [الأحزاب:٣٨] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمر رضي الله عنه عندما سأله جبريل عن الإيمان: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) (١).

والإيمان بالقدر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق فأول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال ما أكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه جفت الأقلام وطويت الصحف كما قال سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:٧٠] وأما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه ما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه ولا يكون في ملكه إلا ما يريد وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال سبحانه: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:٢٨ - ٢٩] " (٢).

فالإيمان بالقدر إذا يشتمل على أربع مراتب لا يكون العبد مؤمنا بالقدر حتى يؤمن بها وهي:

١ - علم الله القديم وأنه قد علم أعمال العباد قبل أن يعملوها.

٢ - كتابة ذلك في اللوح المحفوظ.

٣ - مشيئة الله العامة وقدرته الشاملة.

٤ - إيجاد الله لكل المخلوقات وأنه الخالق وما سواه مخلوق. وهذا هو قول أهل السنة والجماعة وهو القول الحق الذي يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان (٣).

والماتريدية تثبت هذه المراتب: العلم والكتابة وعموم المشيئة والخلق وما وقع منهم من انحراف في القضاء والقدر إنما هو فيما يتعلق بأفعال العباد كما سيأتي بيانه وفي الحقيقة أن هذه المراتب الأربع ليست بواضحة في كلام الماتريدية كوضوحها في كلام أهل السنة فهم عندما يعرفون القضاء والقدر ينصون على العلم والخلق أما المشيئة فيذكرونها في بحثهم لمسألة الإرادة وأما الكتابة فقل أن يذكروها.

وفيما يلي بعض النقول عنهم توضح ما ذكر:


(١) رواه مسلم (٨).
(٢) ((الفتاوى)) (٣/ ١٤٨ - ١٥٠)، وانظر ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص٢٩ - ٦٥).
(٣) ((معارج القبول)) (٢/ ٢٩٤)، ((الروضة الندية)) (ص ٣٥٢،٣٥٣)، ((القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومواقف الناس فيه)) عبد الرحمن المحمود (ص٢٧ - ٥٥، ٣٠٥ - ٣٢١)، رسالة ماجستير.

<<  <  ج: ص:  >  >>