للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الخامس: موقف الأشاعرة من النقل عموماً والسنة خصوصاً

إذا تأملنا كتب القوم، نجدهم يجعلون العقل هو الأساس، والنقل تبعاً له، ولا يخلو النقل مع العقل من إحدى الحالات الآتية:

١) إما أن يكون النقل قطعي الثبوت كالمتواتر مثلاً، موافقاً للعقل، فهذا يقبلونه، لموافقته مقتضى العقل وكونه موجباً للعمل.

٢) وإما أن يكون قطعياً، مخالفاً للعقل. وله حالتان:

١ - أن يمكن تأويله بما يوافق العقل فيجب تأويله، ويقبل النقل ويؤول.

٢ - أن لا يمكن تأويله. وهذا يرد لمخالفته العقل، والعقل مقدم على النقل عندهم.

٣) وإما أن يكون النقل ليس بقطعي – عندهم – كخبر الآحاد وله ثلاث حالات:

١ - أن يكون موافقاً لمقتضى العقل: فهذا يقبل لموافقته العقل لا لذاته.

٢ - أن يكون مخالفاً لمقتضى العقل، لكن يمكن تأويله بما يوافق مقتضى العقل. فهذا يشتغل بتأويله على سبيل التبرع، وإلا فليسوا ملزمين بتأويله؛ لأنه ليس يجب تأويل إلا ما كان موجباً للعلم وهو المتواتر، أما الآحاد فليس كذلك.

٣ - أن يكون مخالفاً لمقتضى العقل ولا يمكن تأويله، فهذا حكمه الرد بعدم إيجابه للعلم أصلاً، وعدم إمكان تأويله.

هذه خلاصة موقف القوم من النقل، وإليك كلامهم من كتبهم في بيان موقفهم من النقل، مراعياً الترتيب الزمني لنقف على تطور موقفهم:

١) كلام ابن فورك "ت ٤٠٦هـ":قال: " ... وأما ما كان من نوع الآحاد، مما صحت الحجة به، من طريق وثاقة النقلة وعدالة الرواة، واتصال نقلهم، فإن ذلك وإن لم يوجب العلم والقطع فإنه يقتضي غالب الظن وتجويز حكم ... " (١).

٢) كلام البغدادي "ت ٤٢٩هـ":

قال: "والأخبار عندنا ثلاثة أقسام: متواتر، وآحاد، ومتوسط، بينهما مستفيض جارٍ مجرى التواتر بعض أحكامه.

فالمتواتر: هو الذي يستحيل التواطؤ على وضعه وهو موجب للعلم الضروري بصحة مخبره. وأخبار الآحاد: متى صح إسنادها، وكانت متونها غير مستحيلة، في العقل، كانت موجبة للعمل بها دون العلم، وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم، يلزم الحكم بها في الظاهر وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة ... " (٢).

وقال في شروط قبول خبر الآحاد: "والشرط الثالث: أن يكون متن الخبر مما يجوز في العقل كونه.

فإن روى الراوي ما يحيله العقل، ولم يحتمل تأويلاً صحيحا فخبره مردود ... وإن كان ما رواه الراوي الثقة يروع ظاهره في العقول ولكنه يحتمل تأويلاً يوافق قضايا العقول قبلنا روايته وتأولناه على موافقة العقول ... " (٣).

٣) كلام الجويني "٤٧٨ هـ":

قال في باب القول في "السمعيات": "اعلموا: وفقكم الله تعالى أن أصول العقائد تنقسم إلى ما يدرك عقلاً، ولا يسوغ تقدير إدراكه سمعاً، وإلى ما يدرك سمعاً، ولا يتقدر إدراكه عقلاً، وإلى ما يجوز إدراكه سمعاً وعقلاً ...

فإذا ثبتت هذه المقدمة، فيتعين بعدها على كل معتن بالدين واثق بعقله أن ينظر فيما تعلقت به الأدلة السمعية.

فإن صادفه غير مستحيل في العقل، وكانت الأدلة السمعية قاطعة في طرقها، لا مجال للاحتمال في ثبوت أصولها ولا في تأويلها، فما هذا سبيله فلا وجه إلا القطع به.


(١) ((مشكل الحديث وبيانه)) (ص: ٥)، وانظر أيضاً: (ص: ٢٦٩).
(٢) ((أصول الدين)) (ص: ١٢).
(٣) ((أصول الدين)) (ص: ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>