للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن لم تثبت الأدلة السمعية بطرق قاطعة، ولم يكن مضمونها مستحيلاً في العقل، وثبتت أصولها قطعاً، ولكن طريق التأويل يجول فيها، فلا سبيل إلى القطع، ولكن المتدين يغلب على ظنه ثبوت ما دل الدليل السمعي على ثبوته وإن لم يكن قاطعاً. وإن كان مضمون الشرع المتصل بنا مخالفاً العقل، فهو مردود قطعاً بأن الشرع لا يخالف العقل، ولا يتصور في هذا القسم ثبوت سمع قاطع ... " (١).فبين رحمه الله ما يقبل من النقل والسمع وما يرد، وما يتأول، وبين في كتاب (لمع الأدلة) أن النقل يقبل إذا كان مضمونه مما يجوز في العقل فقال: "كل ما جوزه العقل، وورد به الشرع، وجب القضاء بثبوته ... " (٢).

كما أوضح في (الشامل) أنه لا يتحتم عليهم تأويل كل حديث ورد مخالفاً للعقل، وإنما يجب عليهم تأويل الأحاديث التي توجب العلم وهي المتواترة. بخلاف الآحاد. قال: " ... وليس يتحتم علينا أن نتأول كل حديث مختلف، كيف وقد بينا أن ما يصح في الصحاح من الآحاد لا يلزم تأويله، إلا أن نخوض فيه مسامحين، فإنه إنما يجب تأويل ما لو كان نصاً لأوجب العلم" (٣).

٤) كلام الغزالي "ت ٥٠٥هـ":

قال بعد أن قسم ما لا يعلم بالضرورة إلى: ما يعلم بدليل العقل دون الشرع. وإلى ما يعلم بالشرع دون العقل، وإلى ما يعلم بهما ...

" ... ثم كلما ورد السمع به ينظر:

فإن كان العقل مجوزاً له، وجب التصديق به قطعاً، إن كانت الأدلة السمعية قاطعة في متنها ومستندها لا يتطرق إليها احتمال ...

وأما ما قضى العقل باستحالته، فيجب تأويل ما ورد السمع به، ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول.

وظواهر أحاديث التشبيه أكثرها غير صحيحة، والصحيح منها ليس بقاطع، بل هو قابل للتأويل. فإن توقف العقل في شيء من ذلك فلم يقض فيه باستحالة ولا جواز، وجب التصديق أيضاً لأدلة السمع، فيكفي في وجوب التصديق انفكاك العقل عن القضاء بالإحالة، وليس يشترط اشتماله على القضاء بالجواز" (٤).

ثم بين أن هذا القسم غير جائز اعتقاد ما جاء به في حق الله تعالى لتوقف العقل فيه، وإنما يجوز في حق الله ما دل العقل على جوازه فقال: "وبين الرتبتين فرق ربما يزل ذهن البليد حتى لا يدرك الفرق بين قول القائل: اعلم أن الأمر جائز، وبين قوله: لا أدري أنه محال أم جائز، وبينهما ما بين السماء والأرض، إذا الأول جائز على الله تعالى، والثاني غير جائز، فإن الأول: معرفة بالجواز. والثاني: عدم معرفة بالإحالة، ووجوب التصديق جائز في القسمين جميعاً" (٥).

٥) كلام فخر الدين الرازي "ت ٦٠٦هـ":

وضع الرازي ما يسمى بالقانون الكلي، الذي يرجع إليه عند تعارض العقل والنقل – بزعمهم، وإلا فإن النقل الصحيح لا يعارض العقل الصريح – فقال في كتابه الموسوم بـ (أساس التقديس): "الفصل الثاني والثلاثون: في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية فكيف يكون الحال فيها؟

اعلم أن الدلائل القطعية إذا قامت على ثبوت شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة:

١) إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل. فيلزم تصديق النقيضين وهو محال.

٢) وإما أن يبطل، فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال.


(١) ((الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد)) (ص: ٣٥٨ - ٣٦٠)، "بتحقيق محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم، ط. ١٣٦٩هـ. مطبعة السعادة، نشر: مكتبة الخانجي".
(٢) ((الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد)) (ص: ١١٢).
(٣) ((الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد)) (١/ ٥٦١).
(٤) ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: ١٣٢ – ١٣٣).
(٥) ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>