للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣) وإما أن يصدق الظواهر النقلية، ويكذب الظواهر العقلية، وذلك باطل؛ لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية، إلا إذا عرفنا بدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته. وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وظهور المعجزات على محمد صلى الله عليه وسلم، ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية، صار العقل متهماً غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة، فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل، يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً، وأنه باطل.

ولما بطلت الأقسام الأربعة، لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال:

١ - إنها غير صحيحة.

٢ - أو يقال: إنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها. ثم إن جوزنا التأويل واشتغلنا به على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات ... " (١).

وقال أيضاً في شروط إفادة الدليل اللفظي اليقين:

"مسألة: الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا عند تيقن أمور عشرة:

١) عصمة رواة مفردات الألفاظ.

٢) وإعرابها.

٣) وتصريفها.

٤) وعدم الاشتراك.

٥) والمجاز.

٦) والنقل.

٧) والتخصيص بالأشخاص والأزمنة.

٨) وعدم الإضمار والتأخير والتقديم.

٩) والنسخ.١٠) وعدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجح عليه، إذ ترجيح النقل على العقل يقتضي القدح في العقل المستلزم للقدح في النقل؛ لافتقاره إليه، وإذا كان المنتج ظنياً فما ظنك بالنتيجة؟ " (٢).وبنحو هذا قال الإيجي "٧٥٠ هـ" أيضاً (٣).

ومن الأشاعرة المعاصرين يقول د. محمد سعيد رمضان البوطي: "ولكن الصحيح نفسه يرقى في درجات متفاوته، تبدأ من الظن القوي إلى الإدراك اليقيني ... فإذا كانت السلسلة التي توفرت فيها مقومات الصحة مكونة من آحاد الرواة الذين ينتقل الخبر بينهم فهو لا يعدو أن يكون خبراً ظنياً في حكم العقل ... فأما الظني من الخبر الصحيح فلا يعتد به الحكم الإسلامي في بناء العقيدة؛ لأنه يفيد الظن، ولقد نهى القرآن – في مجال البحث في العقيدة – عن أتباع الظن ... " (٤).

وهكذا نرى الأشاعرة في ماضيهم، وحاضرهم، يقفون من النقل والسمع موقفاً ليس لهم سلف فيه إلا المعتزلة.

فقد جعلوا العقل أصلاً يرجع إليه، وجعلوا ما جاءت به الأنبياء تبعاً له، فما وافق عقولهم قبلوه، وما خالفها ردوه، أو تأولوه على مقتضى عقولهم.

فهل هذا الموقف الذي اتخذه الأشاعرة من النقل بصفة عامة، ومن السنة بصفة خاصة، يؤهلهم لأن يكونوا هم أهل السنة؟ كيف وقد عد أهل العلم بالسنة من أهم ما يميز أهل السنة من أهل البدعة تقديم النقل والأثر والإحكام إليهما؛ كما يقول أبو المظفر السمعاني:


(١) ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: ١٧٢ – ١٧٣).
(٢) ((محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين)) (ص: ٥١).
(٣) ((المواقف في علم الكلام)) (ص: ٤٠).
(٤) ((كبرى اليقينيات)) (ص: ٣٥ - ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>