للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: حجية الظواهر]

ذكرنا آنفاً موقف الإخباريين من ظاهر القرآن الكريم، ورد جمهور الجعفرية عليهم. فهم يرون حجية الظهور. قال مرجعهم السابق بالعراق عن حجية ظواهر القرآن: " لاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخترع لنفسه طريقة خاصة لإفهام مقاصده، وأنه كلم قومه بما ألفوه من طرائق التفهيم والتكلم، وأنه أتى بالقرآن ليفهموا معانيه، وليتدبروا آياته، فيأتمروا بأوامره ويزدجروا بزواجره، وقد تكرر في الآيات الكريمة ما يدل على ذلك، كقوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: ٢٤] (١) وقوله تعالى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الزمر: ٢٧].

وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: ١٩٢].

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٤].

بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء: ١٩٥]. وقوله تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [آل عمران: ١٣٨]. وقوله تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الدخان: ٥٨]. وقوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر: ١٧]. وقوله تعالى: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء: ٨٢]. إلى غير ذلك من الآيات الداله على وجوب العمل بما في القرآن، ولزوم الأخذ بما يفهم من ظواهره. ومما يدل على حجية ظواهر الكتاب، وفهم العرب لمعانيه، أن القرآن نزل حجة على الرسالة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى البشر على أن يأتوا ولو بسورة من مثله، ومعنى هذا أن العرب كانت تفهم معاني القرآن من ظواهره، ولو كان القرآن من قبيل الألغاز لم تصح مطالبتهم بمعارضته، ولم يثبت لهم إعجازه، لأنهم ليسوا ممن يستطيعون فهمه، وهذا ينافي الغرض من إنزال القرآن، ودعوة البشر إلى الإيمان به ... إلخ " (٢). وقال عالم آخر عن حجية الظواهر (٣):

"هي أوضح من أن يطال فيها الحديث مادام البشر في جميع لغاته قد جرى على الأخذ بظواهر الكلام، وترتيب آثارها ولوازمها عليها، بل لو أمكن أن يتخلى عنها لما استقام له التفاهم بحال، لأن ما كان نصاً في مدلوله مما ينتظم في كلامه لا يشكل إلا أقل القليل.

وبالضرورة أن عصر النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بدعاً من العصور، لينفرد به الناس في أساليب تفاهمهم بنوع خاص من التفاهم لا يعتمد الظهور ركيزة من ركائزه، وما كان للنبي صلى الله عليه وسلم طريقة خاصة في التفاهم انفرد بها عن معاصريه، وإلا لكانت أحدوثة التاريخ، فالقطع بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لطريقتهم في التفاهم كاف في إثبات حجية الظواهر. وقد نزل القرآن بلغة العرب، وتبنى طريقتهم في عرض أفكاره، وكان لكلامه ظاهر يفهمونه ويسيرون على وفقه " (٤)

اللجوء للتأويل تأييداً للعقيدة:

ومع القول بحجية الظاهر، إلا أنهم ـ كما رأينا من قبل ـ جعلوا للإمام ما للنبي صلى الله عليه وسلم من بيان المراد من قول الله تعالى، وتخصيص عامه، وتقييد مطلقه. وفي الجزء الأول وجدنا أنهم لما لم يجدوا من ظاهر القرآن الكريم ما يؤيد عقيدتهم لجأوا إلى التأويل، وناقشناهم فيما ذهبوا إليه فلم نجد لهم دليلا يمكن الاحتجاج به. وإذا كانت العقيدة من أساسها ليس لها ما يؤيدها من كتاب الله تعالى فكيف بما يتبعها من عقائد وتفريعات؟

المصدر:مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع لعلي السالوس - ص٤٦٠


(١) يقصد المؤلف بالرقم الأول رقم السورة وهي سورة محمد، وباقي السور التي أشار إلى أرقامها هي على الترتيب: الزمر، الشعراء، آل عمران، الدخان، القمر، النساء.
(٢) ((البيان)) للخوئي (ص ٢٨١: ٢٨٢)، وراجعه إلى (ص ٢٩١).
(٣) هو العالم محمد تقي الحكيم، أستاذ الأصول والفقه المقارن في كلية الفقه بالنجف بالعراق. انظر كتابه ((الأصول العامة)) (ص ١٠٢: ١٠٧).
(٤) ((الأصول العامة)) (ص ١٠٢: ١٠٣) وانظر كذلك للجعفرية في حجية الظواهر: ((فوائد الأصول)) (٣/ ٤٧ - ٤٨)، و ((أصول الفقه)) للمظفر (١/ ٢٤، ٣٠: ٣٢)، (٣/ ١٢٩ - ١٣٠، ١٣٤، ١٤١)، و ((المعالم الجديدة للأصول)) (ص ١٣٩: ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>