للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: المساواة بين النبي والولي]

وأما تسوية الصوفية بين الولاية والنبوة، بل وتفضيلهم الولاية على النبوة والرسالة، والأولياء على أنبياء الله ورسله، مثل الشيعة، فتدل عليه عبارات القوم وتصريحاتهم، فيقول لسان الدين ابن الخطيب:

(الولاية: أن يتولى الله الواصل على حضر قدسه، بكثير مما تولى به النبي، من حفظ وتوفيق، وتمكين واستخلاف وتصريف.

فالولي يساوي النبي في أمور، منها: العلم من غير طريق العلم الكسبي، والفعل بمجرد الهمة، فيما لم تجر به العادة أن يفعل إلا بالجوارح والجسوم، مما لا قدرة عليه لعالم الجسوم.

كان الفضيل بن عياض، على جبل من جبال منى، فقال: لو أن وليا من أولياء الله أمر هذا الجبل أن يميد لماد، فتحرك الجبل، فقال: اسكن. لم أردك بهذا، فسكن الجبل.

ويفعل بالهمة في عالم الخيال وفي الحس، فإنه يسمع ويرى، ما لا يرى ولا يسمع وهو بين الناس.

ويفارق الولي النبي في المخاطبة الإلهية، والمعارج، فإنهما يجتمعان في الأصول وهي المقامات، إلا أن النبي يعرج بالنور الأصلي، والولي يعرج بما يفيض من ذلك النور الأصلي، وإن جمعهما مقام اختلفا بالوحدة في كل مقام، من فناء وبقاء، وجمع وفرق. والولي يأخذ المواهب بواسطة روحانية نبيه، ومن مقامه يشهد، إلا ما كان من الأولياء المحمديين، فإنه لما كان نبيهم صلوات الله وسلامه عليه جامعا لمقامات الأنبياء (أورثهم الله مقامات الأنبياء) وأوصل إليهم أنوارهم، من نور نبيهم الوارث، وبوساطته، فإنه هو الذي أعطى جميع الأنبياء والرسل مقاماتهم في عالم الأرواح. ثم شاركت الأولياء الأنبياء في الأخذ عنه، وإليه الإشارة بقوله (أولياء أمتي أنبياء من دونهم) فقد يرث ولي من الأولياء آدم، أو إدريس، أو إسحاق، أو إسماعيل، أو يوسف، أو موسى، أو عيسى، لكن لا يتوصل إلى نوره ولا حاله إلا من محمد صلوات الله وعليهم وسلامه، إلا القطب وحده، فإنه على قلب محمد صلى الله عليه وسلم (ولمثل هذا المقام الكريم فليعمل العاملون (١)

و (أن الأولياء لهم أربعة مقامات: الأول مقام خلافة النبوة، والثاني مقام خلافة الرسالة، والثالث مقام خلافة أولي العزم، والرابع خلافة مقام أولي الاصطفاء.

فمقام خلافة النبوة للعلماء.

ومقام خلافة الرسالة للأبدال.

ومقام خلافة أولي العزم للأوتاد.

ومقام خلافة الاصطفاء للأقطاب. فمن الأولياء من يقوم في عالم مقام الأنبياء، ومنهم من يقوم في عالم مقام الرسل، ومنهم من يقوم في عالم مقام أولي العزم، ومنهم من يقوم في عالم مقام أولي الاصطفاء (٢).

وعلى ذلك قالوا: (الولاية ظل النبوة، والنبوة ظل الإلهية .... فالأنبياء عليهم السلام مصادر الحق، والأولياء مظاهر الصدق ... والأولياء خصوا بإشارات نبوية، وإطلاعات حقيقة، وأرواح نورية، وأسرار قدسية، وأنفاس روحانية، ومشاهدات أزلية (٣).وبمثل هذا قال الكمشخانوي في كتابه (جامع أصول الأولياء (٤).

وآخر قال بوضوح أكثر: (ما قيل في النبي يقال في الوليّ (٥).

وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكى عن الله عز وجل أنه قال: (أولئك كلامهم كلام الأنبياء (٦).

المصدر:التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير


(١) ((روضة التعريف)) للسان الدين بن الخطيب (ص ٥١٩ - ٥٢٠).
(٢) ((جامع الأصول في الأولياء)) للكمشخاوي (ص ٥) ط المطبعة الوهيبية طرابلس ١٣٩٨ هـ.
(٣) ((الفتح المبين فيما يتعلق بترياق المحبين)) لأبي الظفر ظهير الدين القادري (ص ٥٢) ط المطبعة الخيرية مصر الطبعة الأولى ١٣٠٦ هـ.
(٤) انظر (ص ٧٠) ط المطبعة الوهيبية طرابلس الشام ١٣٩٨ هـ.
(٥) ((الفتوحات الإلهية)) لابن عجيبة الحسني (ص ٢٦٤) ط عالم الفكر القاهرة ١٩٨٣ م.
(٦) ((الفتوحات الإلهية)) لابن عجيبة الحسني (ص ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>