للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه هي آراء ابن عربي وأقواله، صريحة في معناها، جلية في مغزاها، واضحة في مرادها، لا غموض فيها ولا تعقيد، ولا تحتاج إلى التبيين والتوضيح.

وأما تلميذه محمد بن إسحاق القونوي المتوفى ٦٧٣ هـ فيقول: (إن الكمل ومن شاء الله من الأفراد أهل الاطلاع على اللوح المحفوظ، بل وعلى المقام القلمي، بل وعلى حضرة العلم الإلهي، فيشعرون بالمقدر كونه لشبق العلم بوقوعه (١).

ويقول شهاب الدين السهروردي المقتول: (الأنبياء والفضلاء المتألهون يتيسر لهم الاطلاع على المغيبات، لأن نفوسهم إما قوية بالفطرة أو تتقوى بطرائقهم وعلومهم، فينتقشون بالمغيبات، لأن نفوسهم كالمرايا المصقولة تتجلى فيها نقوش من الملكوت. فقد يسري شبح إلى الحس المشترك، يخاطبهم ألدّ مخاطبة وهو في أشرف صورة، وربما يرون الغيب بالحس المشترك مشاهدة، وربما يسمعون صوت هاتف، أو يقرؤن من مسطور (٢).وقال لسان الدين بن الخطيب في روضته: (النفوس عند صفائها تتشبه بالملأ الأعلى، وتنتقش فيها أمثلة الكائنات المتعشقة فيه بنوع ما، وتشاهد المحجوبات، وتؤثر في العوالم السفلية (٣).وبمثل ذلك يقول داود بن محمود القيصري: (إذا خلص الرجل، وصفا وقته، وطاب عيشه بالإلتذاذ بما يجده في طريق المحبوب، بصر باطنه، فيظهر له لوامع أنوار الغيب، وينفتح له باب الملكوت، ويلوح منه لوايح (٤).والترمذي الملقب بالحكيم يقول: (إن الأولياء لهم علامات وعلوم، وأما ما يعرفونه من العلوم فهي (علم البدء، وعلم الميثاق، وعلم المقادير، وعلم الحروف، فهذه أصول الحكمة، وهي الحكمة العلمية، وإنما يظهر هذا العلم عن كبراء الأولياء ويقبله من له حظ في الولاية (٥).

ويقول الجيلي عبد الكريم:

(كل واحد من الأفراد والأقطاب له التصرف في جميع المملكة الوجودية، ويعلم كل واحد منهم ما اختلج في الليل والنهار فضلا عن لغات الطيور.

وقد قال الشبلي رحمه الله تعالى: لو دبّت نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء ولم أسمعها لقلت: أني مخدوع أو ممكور بي. وقال غيره: لا أقول: ولم أشعر بها لأنه لا يتهيأ لها أن تدبّ إلا بقوتي وأنا محركها (٦).

هذا ومثل هذا أكثر من أن يسعه كتاب، أو تشمله رسالة، ولقد تأتي حكايات المتصوفة المتضمنة إخبارهم بالغيب، وإحاطتهم بجميع علوم الكون وأحواله، وإطلاعهم على ما كان وما يكون في محله وفي باب مستقل إن شاء الله.

المصدر:التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير


(١) ((رسالة النصوص)) لمحمد بن إسحاق القونوي (ص ٤٠ - ٤١) ط مشهد إيران.
(٢) ((الألواح العمادية)) للسهروردي (ص ٦٤) المطبوع ضمن رسائله الثلاثة باسم سه رسالة شيء إشراق بتحقيق نجف قلي الإيراني ط مركز تحقيقات فارسية إيران باكستان.
(٣) ((روضة التعريف)) للسان اليدن ابن الخطيب (ص ٤٦٣) بتحقيق عبد القادر أحمد عطاط دار الفكر العربي.
(٤) ((شرح مقدمة التائية الكبرى)) لداود القيصري مخطوط (ص ١٠٤) نقلا عن كتاب ((ختم الأولياء)) (ص ٤٩٦).
(٥) ((ختم الولاية)) للحكيم الترمذي (ص ٣٦٢).
(٦) ((الإنسان الكامل)) للجيلي (ص١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>