وليس كل شيخ يصلح أن يكون شيخاً في الطريق الصوفي بل لا بد أن يمر بمراحل الطريق من أولها إلى نهايتها، أو على الأقل أن يكون قد أخذ العهد من شيخ سابق أو والد له وقد أذن له الشيخ أو الأب بتسليك المريدين، وإدخالهم في الطريق وتلقينهم الأذكار الخاصة .. ، الخ.
وحتى تكون المشيخة الصوفية مشيخة معتبرة فقد اخترع المتصوفة قديماً شيئا سموه السلسلة الصوفية وهذه السلسلة المزعومة هي عبارة عن سند مزعوم يتناقله الخلف عن أسلافهم زاعمين أن هذه السلسلة تنتهي (بالجنيد) الذي يسمونه سيد الطائفة وأن هذا الجنيد قد أخذها عن سري السقطي، والسقطي عن معروف، ومعروف عن داود الطائي، وداود الطائي عن حبيب العجمي، والعجمي هذا عن الحسن البصري، والحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ..
يقول ابن عربي في فتوحاته:
"اعلم أنه قد صح وثبت بحكم النقل عند المشايخ (هذه الطريقة المتصوفة في الإسناد فلا ذكر لشيوخ النقل ولا كيف نقلوا)، أن علياً أمير المؤمنين دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على أقرب الطرق وأفضلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك يا علي، بما نلت ببركة النبوة. فقال علي: ما هذا يا رسول الله: قال عليه السلام: ذكر الله تعالى .. قال علي: يا رسول الله، هكذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا علي، لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: الله. الله، ثم قال: أحصيت، يا علي، حتى أنا أقوله ثلاث مرات وأنت تسمع مني فإذا أمسكت فقل أنت حتى أنا أسمع منك. هكذا لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، ثم لقن علي عليه السلام الحسن البصري، ثم لقن الحسن حبيباً العجمي، ثم لقن داود معروفاً الكرخي، ولقن معروف سري السقطي، وهو لقن أبا القاسم: الجنيد محمد بن البغدادي وعلى هذه السلسلة باقي المشايخ رحمهم الله" أ. هـ (الفتوحات المكية).
ولا شك أن هذا يدل بغير بيان على ما فيه من الباطل وأنه كذب من أوله إلى آخره فبين ابن عربي الذي افترى هذا الكلام والجنيد أكثر من ثلاثمائة سنة، وهو يقول هنا: اعلم أنه ثبت وصح بحكم النقل عند المشايخ؛ ما هذا (حكم النقل عن المشايخ)!! وهذه السلسلة إلى الحسن البصري سلسلة مظلمة والجنيد قد اتهم من علماء زمانه بالزندقة والكفر وهو صاحب الحلاج الذي أجمع المسلمون في عصره على كفره وزندقته وهذا الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا أصل له فيما أعلم في كتاب صحيح من كتب السنة، وهو يخالف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يخص أهل البيت لا علياً ولا غيره بذكر خاص أو بعلم خاص امتثالاً لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إليك مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:٦٧] والجواب عن هذه الشبهة في مكان آخر من هذا الكتاب، أعني شبهة أن الرسول قد كتم علماً وخص أناساً بعلم من علوم الشريعة أو بذكر خاص أو طريقة خاصة والشاهد هنا أن هذه الطريقة المزعومة كذب وافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى علي بن أبي طالب والحسن البصري رضي الله عنهم، وقد وضع ذلك المتصوفة ليوهموا الناس أن وحيهم الشيطاني الذي يدعونه، ومشاهداتهم الإبليسية التي يشاهدونها وعلومهم الخرافية التي يتناقلونها لها أصل من الإسناد، وهي متلقاة عن الرسول.
فعجباً لمن يحاربون الإسناد والحديث والنقل ثم يدعونه هنا لأنفسهم وهذا من تخبطهم وضلالهم فالإسناد لأهل الحديث كلام ميت عن ميت هذا زعمهم والإسناد لأهل التصوف شرف واتصال وعلم واتصال بالرسول فانظر وتعجب!!