[المطلب الأول: موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الفاروق عمر رضي الله عنه]
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يذكر الفاروق وولايته مصدقاً لرؤيا سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم الذي رآه وبشر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
"ووليهم وال، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه" ("نهج البلاغة" بتحقيق صبحي الصالح تحت عنوان "غريب كلامه المحتاج إلى التفسير" ص٥٥٧ ط دار الكتاب بيروت، أيضاً (نهج البلاغة) بتحقيق الشيخ محمد عبده ج٤ ص١٠٧ ط دار المعرفة بيروت).
وقال الميثم البحراني الشيعي، شارح نهج البلاغة، وكذلك الدنبلي شرحاً لهذا الكلام "أن الوالي عمر بن الخطاب، وضربه بجرانه كناية بالوصف المستعار عن استقراره وتمكنه كتمكن العير البارك من الأرض" ("شرح نهج البلاغة" لابن الميثم ج٥ ص٤٦٣، أيضاً "الدرة النجفية" ص٣٩٤).
ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي تحت هذه الخطبة، ويذكرها من أولها "وهذا الوالي هو عمر بن الخطاب، وهذا الكلام من خطبة خطبها في أيام خلافته طويلة يذكر فيها قربه من النبي صلى الله عليه وسلم واختصاصه له، وإفضاءه بأسراره إليه حتى قال فيها: فاختار المسلمون بعده بآرائهم رجلاً منهم فقارب وسدد حسب استطاعته على ضعف وجد كانا فيه، ثم وليهم بعده وال، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه" (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد (٤/ ٥١٩).
فانظر إلى عليّ وكيف يطبق هذه الأوصاف على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما تصديقاً لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفاً بحرف، ويجعل الفاروق مصداقاً لبشارته عليه السلام، وكيف يقر ويعترف بأن الدين قد استقر في عهده المبارك، والإسلام قد تمكن في الأرض في أيام خلافته الميمونة، فهل لمتمسك أن يتمسك من الشيعة بقول علي بن أبي طالب - الإمام المعصوم عندهم الذي لا يخطئ –؟
ثم والخطبة التي مدح فيها عمر، وجعله مورد ومصداق بشرى الرسول هي خطبة ألقاها في أيام خلافته حيث لم يكن هناك ضرورة للتقية الشيعية التي ألصقوها تهمة بخيار الخلائق رضوان الله ورحمته عليهم.
وكم هناك من خطب لعليّ، المنقولة في (نهج البلاغة) التي تدل على نفس المعنى بأن الفاروق كان سبباً لعز الدين، ورفعة الإسلام، وعظمة المسلمين، وتوسعة البلاد الإسلامية، وأنه أقام الناس على المحجة البيضاء، واستأصل الفتنة، وقوم العوج وأزهق الباطل، وأحيا السنة طائعاً لله خائفاً منه، فانظر إلى ابن عم رسول الله ووالد سبطيه وهو يبالغ في مدح الفاروق، ويقول:
"لله بلاد فلان، فقد قوم الأود، وداوى العمد وخلف الفتنة، وأقام السنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي بها الضال، ولا المستيقن المهتدي" (نهج البلاغة) تحقيق صبحي صالح (ص٣٥٠) (نهج البلاغة) تحقيق محمد عبده (٢/ ٣٢٢).
ويقول ابن أبي الحديد: العرب تقول: لله بلاد فلان أي در فلان .. وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضى أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر .. وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمر، فقلت له: أثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم" (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد (٣/ ٩٢ جزء١٢).
ومثله ذكر ابن الميثم (انظر لذلك (شرح النهج) لابن الميثم (٤/ ٩٦، ٩٧) والدنبلي وعلي نقي في الدرة النجفية (ص٢٥٧) وشرح النهج الفارسي (٤/ ٧١٢).