للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: ذكر بعض من نسبوا إلى الأشعرية وبيان براءتهم منها]

الإمام الحافظ الحجة محمد بن إسماعيل البخاري "٢٥٦هـ":زعم المؤلفان (١) أن البخاري كان موافقاً لابن كلاب في معتقده!! وهي دعوى مردودة، يأباها التحقيق العلمي، والاستقراء التاريخي.

فإن البخاري رحمه الله رأس في الحديث، بل هو إمام الدنيا في عصره وحامل لواء أهل الحديث، وليس هذا بعجب منه، إذ أنه كان تلميذ أئمة السنة، وعلى رأسهم إمام أهل السنة بلا منازع أحمد بن حنبل، وكذا إسحاق بن راهوية، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وغيرهم من أكابر أئمة السنة وبقية السلف.

ومن تأويل ما سطره في صحيحه، وفي غيرها من كتبه يعلم تمام العلم، أنه كان على عقيدة أهل الأثر، لا أهل الكلام، وأنه يثبت صفات الله تعالى على الوجه اللائق به، بلا تشبيه ولا تكييف، وبلا تنزيه ينفي حقائقها.

وقد عقد كتاباً في صحيحه أسماه كتاب (التوحيد)، أثبت فيه الصفات لله تعالى على منوال السلف والأئمة، لا على منوال أهل الكلام، فعقد فيه ثمانية وخمسين باباً في إثبات صفات الله، منها:

- باب: "قول الله تعالى: وَيُحَذكرمُ اللهُ نَفْسَهُ [آل عمران: ٢٨] "، لإثبات النفس لله تعالى.

- وباب: "قول الله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] "، لإثبات الوجه لله تعالى.

- وباب: "قول الله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: ٣٩] "، لإثبات العين لله تعالى.

- وباب: "قول الله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥] "، لإثبات اليد لله تعالى.- وباب: "قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا شخص أغير من الله)) (٢)، لإثبات الشخص لله تعالى.

- وباب: " قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً [الأنعام: ١٩]، فسمى الله تعالى نفسه شيئاً. وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً. وهو صفة من صفات الله. وقال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨]؛ لإثبات أن الله تعالى يسمى شيئاً.

- وباب: " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء [هود: ٧]، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة: ١٢٩] "، لإثبات علو الله تعالى على خلقه، واستوائه وارتفاعه على عرشه، وأورد فيه قول أبي العالية ومجاهد: استوى: علا وارتفع، ثم ساق الأحاديث الدالة على علو الله تعالى، وأنه في السماء فوق كل شيء.

- وباب: "قول الله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: ٢٩] ... وقوله تعالى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق: ١]، وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين"، ففيه إثبات أن الله يوصف بأنه يحدث ما شاء.


(١) يقصد بهما المؤلفان لكتاب ((أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)).
(٢) رواه البخاري (٧٤١٦) , من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>