[المطلب الثاني: أدلة كذبهم على الشيخ الرفاعي وعلى غيره]
لقد ثبت لي من خلال متابعتي للكرامات المذكورة عن الشيخ الرفاعي أنه تم اقتباس العديد من كرامات السابقين المروية في كتب التصوف المتقدمة كالرسالة القشيرية.
وللدلالة على ذلك أحيل القارئ أن يقارن القصص التالية التي نسبت إلى الشيخ الرفاعي:
١ - قصة دعوة الرفاعي والتي قال فيها: «أتستكثر علي خصلة من خصائل الكلب».
والتي ذكرها الصيادي أن يقرأ القصة عينها منسوبة إلى أبي عثمان الحيري كما في الرسالة القشيرية للقشيري، وإحياء علوم الدين للغزالي وكلاهما ماتا قبل مولد الرفاعي.
٢ - قصة الأسد الذي أكل الشاب وفيها أن الرفاعي قال له: «ألم أقل لكم لا تتعرضوا لضيوفنا». ذكرها الصيادي منسوبة إلى الرفاعي والعبارة في الحقيقة مذكورة في الرسالة القشيرية ومنسوبة إلى إبراهيم الدقي.
٣ - قصة الأستاذ الذي أعطى كل تلميذ من تلاميذه عصفورا وأمر أن يذبح كل منهم عصفوره على حدة بحيث لا يراهم أحد ففعل كل منهم ذلك إلا الرفاعي فإنه جاء ولم يذبح العصفور، فقال له الأستاذ: لم لم تذبح العصفور؟
قال الرفاعي: يا سيدي شرطتم علي خلو المكان، وكل موضع ذهبت إليه رأيته مشغولا بالله .. هذه القصة ذكرها الصيادي في قلادة الجواهر.
غير أنك تجدها بتفاصيلها موجودة في الرسالة القشيرية منسوبة إلى شيخ لم يذكر اسمه لكنها بالطبع لغير الرفاعي لأن القشيري كتب رسالته قبل أن يولد الرفاعي بعشرات السنين.
ولقد روى الرفاعية من تواضع الرفاعي الشيء الكثير وأنه لم يكن يرى لنفسه مقاماً ولا رتبة ولا مشيخة حتى إنه كان يحلف بالله أن يحشره مع فرعون وهامان إن كان خطر بباله يوما أنه شيخ على أحد من الناس.
ويقول: «ما مثلي إلا كمثل ناموسة على الحائط لا قدر لها».
إن هذا التواضع الذي يحكيه الرفاعية عن شيخهم لا يتفق مع ما نسبوه إليه من الخفض والرفع والعطاء والمنع، وكون الأرض في قبضته والدهر طائع لأمره إلى غير ذلك مثل زعمهم أنه قال:
أنا الكعبة الغرا أنا البيت والحما ... أنا المسجد الأقصى لمن جاء بالذكر
أنا الدولة العظمى أنا السطوة التي ... تذل لها الأشياخ في البر والبحر
وكل رجال الله طافوا بحضرتي ونا ... لوا المدادات العظيمة من ذكري
فإن عدت الأقطاب أدعى كبيرهم ... وإن عدت الأشياخ في بدئهم ذكري
وطاعت لي الحيات والأسد في الفلا ... وباسمي يلقى زمهرير على الجمر
أنا أحمد الغوث الرفاعي وبصرتي ... محط رحال القوم في مدة العمر
وأنه قال أيضاً:
أنا الرفاعي طبولي في السما ضربت ... والأرض في قبضتي والأوليا خدمي
الجأ بأعتاب عزي والتمس مددي ... وطف ببابي وقف مستمطرا نعمي
ولازم الذل في شطحاء منزلنا ... تنجو بهمتنا من حالة العدم
من لاذ فينا اكتفى عن غيرنا أبدا ... وجاء في ركبنا بالأمن من ندم
وأنه قال أيضاً:
أنا الرفاعي ملاذ الخافقين فلذ في ... باب جودي لتسقى الخير من ديم
إذا دعاني مريدي وهو في الحج من ... البحار نجا من حالة العدم
هلال سلطان عزي للوجود بدا ... وحالتي انفردت من جملة الأمم
فلو ذكرت بأرض لا نبات لها ... لأقبلت بصنوف الخير والنعم
ولو ذكرت بنار قط ما لهبت ... ولو ذكرت ببحر غار من عظمي
ولو دعوت لميت قام لي ومشى ... بإذن ربي يسعى على القدم
ونوبتي ضربت في الأرض واشتهرت ... ودولتي حكمت في العرب والعجم
بعد هذا نخلص إلى نتيجة هامة وهي أن سيرة أئمة التصوف كالرفاعي والجيلاني والجنيد والبسطامي في كتب وتراجم الصوفية: متناقضة وشخصياتهم مضطربة لا يمكن التعرف على حقيقة شخصياتهم من خلال كتب التصوف المليئة بالمبالغة.
إن الصوفية إذا أرادوا تعريف الناس بتواضع مشايخهم صوروهم للناس على غاية من الضعف والمذلة، وإذا أرادوا إثبات كراماتهم وقدراتهم وصفوهم بما يوصف الله به من التمكن في عوالم الكون العلوية والسفلية وكشف خفايا الضمائر والصدور وتغيير المقدور الخ ..
المصدر:الطريقة الرفاعية لعبد الرحمن دمشقية - ص٨١ - ٨٧