للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد بالغ الرفاعي في الحث على اتباع السنة إلى درجة قد لا يوافقه عليها كثيرون وذلك أنه قال: «بلغنا عن بعض الأئمة أنه ما أكل البطيخ لأنه لم ينقل له كيف أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ما تهاون قوم بالسنة وأهملوا قمع البدعة إلا سلط الله عليهم العدو .. وما انتصر قوم للسنة وقمعوا البدعة وأهلها إلا ورزقهم هيبة من عنده ونصرهم وأصلح شأنهم. (١)

ولكن هل يوافق الرفاعيون شيخهم بأن كل بدعة ضلالة؟ وهل يتابعون الرسول صلى الله عليه وسلم في أقوالهم وأفعالهم وسلوكهم؟

إنهم كثر الزغل بينهم كما يقول الذهبي رحمه الله، وانتشرت بينهم البدع وعمل المخاريق، كما أن عامة المتصوفة يجيزون البدعة الحسنة ويتعبدون الله بها وإلا فما مصدر الخلوة المحرمية وأحزاب البر والبحر والأوراد التي لا تجد شيئاً منها في صحيح الأذكار النبوية، وما مدى شرعيتها، وهل يقيم الله لها وزنا يوم القيامة أم أنها عائدة على مبتدعيها ومتبعيها وزرا!! لقد أشرب غلاة التصوف حب البدعة والدفاع عنها حتى قال قائل منهم: «كل ما ابتدع على طريق القربة إلى الله تعالى فهو من الشريعة والسنة الظاهرة» (٢)

إن هذا هو الانحطاط الذي جعل التصوف محط أنظار أعداء الإسلام كالباطنية وغيرهم يبثون فيه ما يشاءون من سمومهم ليجعلوا أهل السنة ينتمون إلى السنة اسما فقط مع كونهم يتبنون في الحقيقة كثيرا من مبادئ مخالفة للسنة كالقول بالعلم الباطن واستمداد العلوم والبيعات من سلسلة المشايخ الأموات وهو عين مبدأ التلقي من المعصوم عند الباطنية، والموالد والأضرحة، ولا ننسى تعمد الفاطميين ملأ مساجد أهل السنة بالأضرحة أثناء فترة حكمهم في مصر والشام وغيرها، وكذلك الأحزاب والأوراد التي تتضمن الشرك وسجع العرافين، والسماع الذي لا يضاهيهم فيه إلا الرافضة.

ولو قفل باب البدعة لاستعصى الأمر هؤلاء الأعداء وسد في وجوههم هذا الباب وحصن المسلمون دينهم وطهروا مجتمعهم من أمراض البدع المختلفة التي تعاني منها الأمة والتي توقعهم في سخط الله بسبب تبديل السنن باستحداث البدع، فإن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأنها تخل بالتشريع الإلهي، أما المعصية فلا تخل إلا بصاحبها.


(١) ((الفجر المنير)) (ص ٢١)، ((البرهان المؤيد)) ٣) و ٢٠ و ١٠ - ١١ و ٥٧ و ٦٥)، ((المعارف المحمدية)) (ص ١٣)، ((قلادة الجواهر)) (ص ٢٢٠)، ((إرشاد المسلمين)) (٤١ و ٦٢)، ((الكليات الأحمدية)) (٧٧ - ٧٨)، ((ترياق المحبين)) (ص ١٠).
(٢) ((الأنوار القدسية للشعراني)) (١/ ١٢٣) على هامش الطبقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>