للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

وقع المتصوفة في بدع علمية وعملية ونعني بالعلمية الأمور النظرية التي اعتنقوها وابتدعوا فيها في العقيدة الإسلامية وأما الأمور العملية فهي الشعائر التي يمارسونها عملياً والتي ابتعدوا فيها أيضاً عن المنهج الإسلامي الصحيح.

وبما أن العمل تابع للعلم فقد قدمنا الكلام عن البدع العلمية، فمن انحرف وابتدع في العلم فسوف ينحرف في العمل، وكل هذا بسبب الابتعاد عن منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والنظر.

وتسمية هذا الانحراف بدعة لا يخفف من خطره، فقد تكون البدعة صغيرة وقد تكون كبيرة تصل إلى حد الكفر، فمن يعتقد بوحدة الأديان وأن القطب الغوث يتصرف في الكون فقد كفر وأشرك. وأصل البلاء كله هو عدم متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة ومحاولة الزيادة على ذلك عن سوء نية أو عن حسن نية. ولا يسلم لهم قولهم بالبدعة الحسنة لأن البدعة لا تكون إلا سيئة كما جاءت منكرة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((وكل بدعة ضلالة)) (١) وهي بهذا الوصف تحتاج إلى تعريف محدد واضح ونختار هنا التعريف الذي جاء في كتاب (الاعتصام) قال: " طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " (٢). فهي طريقة في دين وليس في الدنيا فلو قال المبتدع لماذا لا تقولون أن استعمال الآلات الحديثة بدعة لقلنا: هذه طريقة في الدنيا، وهي طريقة مخترعة يعهد مثلها من قبل وليس لها أصل أما العلوم المخترعة كعلم النحو وأصول الفقه فهذه لها أصل من حفظ الدين وتدخل في باب المصالح المرسلة، الحقيقة كذلك ولم يكن هناك تشابه لما أتى بها المبتدع لأن الضرر المحض تنفر النفوس منه، ولكن شبهة التشابه هي التي أوقعته في مأزق الابتداع. والحقيقة أن البدعة تكاد أن تكون علماً على الصوفية لما اشتهرت به من البدع العملية ومع أن كل الفرق قد ابتدعت في الدين ما لم يأذن به الله.

المصدر:الصوفية نشأتها وتطورها لمحمد العبدة، وطارق عبد الحليم


(١) رواه مسلم (٨٦٧)
(٢) الشاطبي: ((الاعتصام)) (١/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>