للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قديما قال علماؤنا: المعاصي بريد الكفر أي رسوله؛ وذلك أن العبد إذا أكثر من معصية الله عز وجل فإنه يدخل بذلك في عبادة الشيطان، فيعده ويمنيه ويضله ويغويه ولا يرضي منه دون الكفر ما استطاع إلى ذلك سبيلا كما قال تعالى إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لاتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [النساء: ١١٧ - ١٢٠] فهذا المنهج المبتدع عند الصوفية في التزكية الذي خالفوا به أهل السنة والجماعة آل بغلاتهم إلى الوقوع في الكفر الذي هو أكبر من كفر اليهود والنصارى، وهذا ما وقع فيه ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والعفيف التلمساني.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وجماع أمر صاحب الفصوص (١) وذويه هدم أصول الإيمان الثلاثة.

فإن أصول الإيمان: الإيمان بالله، والإيمان برسله والإيمان باليوم الآخر.

فأما الإيمان بالله: فزعموا أن وجوده وجود العالم، ليس للعالم صانع غير العالم.

وأما الرسول فزعموا أنهم أعلم بالله منه ومن جميع الرسل، ومنهم من يأخذ العلم بالله- الذي هو التعطيل ووحدة الوجود- من مشكاته وأنهم يساوونه في أحد العلم بالشريعة عن الله، وأما الإيمان باليوم الآخر فقد قال:

فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وبالوعيد الحق عين تعاين

وإن دخلوا دار الشقاء فإنها ... على لذة فيها نعيم يباين

وهذا يذكر عن بعض أهل الضلال قبله أنه قال: إن النار تصير لأهلها طبيعة نارية يتمتعون بها، وحينئذ فلا خوف ولا محذور ولا عذاب لأنه أمر مستعذب، ثم إن في الأمر والنهي عنده الآمر والناهي والمأمور والمنهي واحد، ولهذا كان أول ما قاله في الفتوحات المكية التي هي أكبر كتبه:

الرب حق والعبد حق ... يا ليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك رب ... أو قلت رب أنى يكلف

وهذا مبني على أصله، فإن عنده ما ثم عبد ولا وجود إلا وجود الرب فمن المكلف؟ وعلى أصله هو المكلف والمكلف كما يقولون أرسل من نفسه إلى نفسه رسولا.

وكما قال ابن الفارض في قصيدته التي نظمها على مذهبهم وسماها نظم السلوك:

إلى رسولا كنت مني مرسلا ... وذاتي بآياتي على استدلت

ومضمونها هو القول بوحدة الوجود وهو مذهب ابن عربي وابن سبعين وأمثالهم كما قال:

لها صلاتي بالمقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لي صلت

كلانا مصل عابد ساجد إلى ... حقيقة الجمع في كل سجدة

وما كان لي صلى سواي فلم تكن ... صلاتي لغيري في أدا كل ركعة

إلى قوله:

وما زلت إياها وإياي لم نزل ... ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت

ومثل هذا كثير والله أعلم. (٢)

إلى أن قال شيخ الإسلام رحمه الله:

وحدثني الشيخ العارف كمال الدين المراغي شيخ زمانه أنه لما قدم وبلغه كلام هؤلاء في التوحيد قال: قرأت على العفيف التلمساني من كلامهم شيئا فرأيته مخالفا للكتاب والسنة، فلما ذكرت ذلك له قال: القرآن ليس فيه توحيد بل القرآن كله شرك، ومن اتبع القرآن لم يصل إلى التوحيد. قال: فقلت له: ما الفرق عندكم بين الزوجة والأجنبية والأخت الكل واحد؟ قال: لا فرق بين ذلك عندنا، وإنما هؤلاء المحجوبون اعتقدوه حراما، فقلنا: هو حرام عليهم عندهم، وأما عندنا فما ثم حرام (٣).

المصدر:التزكية بين أهل السنة والصوفية لأحمد فريد - ص٤١ - ٥١


(١) المراد ابن عربي النكرة خلافا لابن العربي شارح الترمذي ((عارضة الأحوذي)) وهو من علماء السنة.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٢/ ٢٤١).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢/ ٢٤٤، ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>