للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن الصوفية يستغنون بهذه العلوم اللدنية عن العلوم الشرعية المنزلة على خير البرية وبذلك يصير تحصيل العلوم الشرعية عيبا مذموما عند الصوفية. روى ابن الجوزي عن أحدهم حيث قال: قال أبو سعيد الكندي: كنت أنزل رباط الصوفية وأطلب الحديث في خفية بحيث لا يعلمون، فسقطت الدواة يوما من كمى، فقال لي بعض الصوفية: استر عورتك (١).روى ابن الجوزي قول البسطامي: مساكين أخذوا علمهم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت (٢).

٣ - إسقاط التكليف: قال الأستاذ دمشقية: على أن هناك مظهرا آخر من مظاهر الشطح الصوفي أنكره كثيرون من المتصوفة وتبناه بعض الغلاة منهم، وهو القول بإسقاط التكليف، وذلك أن الواحد منهم يسرحه فيه رب العزة من قيود الشرائع، ويخرجه من حدودها، هذا ما يزعمونه، وهو أكبر الزندقة بل هو ردة عن الإسلام لا ريب (٣).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله:-ولكن كثير منهم لا يطلقون السلب العام ويخرجون عن ربقة العبودية مطلقا، بل يزعمون سقوط بعض الواجبات عنهم، أوحل بعض المحرمات لهم، منهم من يزعم أنه سقطت عنه الصلوات الخمس لوصوله إلى المقصود، وربما قد يزعم سقوطها عنه إذا كان في حال مشاهدة وحضور، وقد يزعمون سقوط الجماعات عنهم استغناء عنها بما هو فيه من التوجه والحضور، ومنهم من يزعم سقوط الحج عنه مع قدرته عليه لأن الكعبة تطوف به، أو لغير هذا من الحالات الشيطانية، ومنهم من يستحل الخمر في رمضان لغير عذر شرعي زعما منه استغناؤه عن الصيام، ومنهم من يستحل الخمر زعما منه أنها تحرم على العامة الذين إذا شربوا تخاصموا وتضاربوا دون الخاصة العقلاء، ويزعمون أنها تحرم على العامة الذين ليس لهم أعمال صالحة، فأما أهل النفوس الزكية والأعمال الصالحة فتباح لهم دون العامة (٤).

٤ - الفناء ووحدة الوجود:

قال ابن القيم رحمه الله:

زعم أهل الاتحاد القائلون بوحدة الوجود أن الفناء هو غاية الفناء عن وجود السوي، فلا يثبت للسوي وجود ألبته لا في الشهود ولا في العيان، بل يتحقق بشهوده وحدة الوجود فيعلم حينئذ أن وجود جميع المخلوقات هو عين وجود الحق، فما ثم وجودان بل الموجود واحد.

وحقيقة الفناء عندهم أن يفني عما لا حقيقة له، بل هو وهم وخيال، فيفني عما هو فان في نفسه لاوجود له، فيشهد فناء وجود كل ما سواه في وجوده، وهذا تعبير محض، وإلا ففي الحقيقة ليس عند القوم (سوى) ولا (غير) وإنما السوي والغير في الوهم والخيال.

وأما أهل الاستقامة فيشيرون بالفناء إلى أمرين: أحدهما أرفع من الآخر.

الأمر الأول: الفناء في شهود الربوبية والقيومية فيشهد تفرد الرب تعالى بالقيومية والتدبير. والخلق والرزق والعطاء والمنع والضرر والنفع، وأن جميع الموجودات منفعلة لا فاعلة. الأمر الثاني: الفناء في مشهد الألوهية وحقيقة الفناء عن إرادة ما سوي الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه وخوفه ورجاؤه، فيفني بحبه عن حب ما سواه، وبخوفه ورجائه عن خوف ما سواه ورجائه، وحقيقة هذا الفناء إفراد الرب سبحانه بالمحبة والخوف والرجاء والتعظيم والإجلال اهـ (٥).

قلت: وهذا الكلام في شرح الفناء عند أهل الاستقامة صحيح طيب إلا أن هذا المصطلح لم يثبت بالكتاب والسنة ولا استعمله سلف الأمة وإحداث مثل هذه المصطلحات مما يخالف أصول أهل السنة والجماعة.

المعاصي بريد الكفر


(١) ((تلبيس إبليس)) (٣٢٨ - ٣٢٩).
(٢) ((تلبيس إبليس)) (٣٢٠).
(٣) ((أبو حامد الغزالي والتصوف)) (١٩٦).
(٤) ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (١١/ ٤٠٣).
(٥) ((مدارج السالكين)) (٣/ ٣٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>