للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: الصلة بين الإيمان والإسلام عند الأشاعرة]

هذه المسألة لم يتفق الأشاعرة فيها أيضاً بل وقع بينهم خلاف فافترقوا على رأيين، فمن قائل بالترادف بينهما، ومن قائل بالتغاير، وكل فريق استدل لرأيه بما يدل عليه من الكتاب والسنة. وفيما يلي أورد بعض النصوص في ذلك من كتبهم المعتبرة ثم أعقب ذلك ببيان ما تضمنته من أفكار. يقول الشيخ عبدالسلام بن إبراهيم اللقاني في شرحه لجوهرة التوحيد: " ... ولما كان الإيمان والإسلام لغة متغايري المدلول لأن الإيمان هو التصديق، والإسلام هو الخضوع والانقياد، اختلف فيهما شرعاً، فذهب جمهور الأشاعرة إلى تغايرهما أيضاً، لأن مفهوم الإيمان ما علمته آنفاً، ومفهوم الإسلام امتثال الأوامر والنواهي ببناء العمل على ذلك الإذعان، فهما مختلفان ذاتاً ومفهوماً وإن تلازما شرعاً بحيث لا يوجد مسلم ليس بمؤمن ولا مؤمن ليس بمسلم ... وذهب جمهور الماتريدية والمحققون من الأشاعرة إلى اتحاد مفهوميهما بمعنى وحدة ما يراد منهما في الشرع وتساويهما بحسب الوجود، على معنى أن كل من اتصف بأحدهما فهو متصف بالآخر شرعاً – وعلى هذا فالخلاف لفظي باعتبار المآل" (١).ويقول الشيخ سعد الدين التفتازاني في كتابه المشهور (شرح المقاصد): الجمهور على أن الإسلام والإيمان واحد، إذ معنى آمنت بما جاء به النبي عليه السلام صدقته، ومعنى أسلمت له سلمته. ولا يظهر بينهما كثير فرق لرجوعهما إلى معنى الاعتراف والانقياد والإذعان والقبول، وبالجملة لا يعقل بحسب الشرع مؤمن ليس بمسلم أو مسلم ليس بمؤمن. وهذا مارد القوم بترادف الاسمين، واتحاد المعنى وعدم التغاير على ما قال في "التبصرة": الاسمان من قبيل الأسماء المترادفة وكل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن، لأن الإيمان اسم لتصديق شهادة العقول والآثار على وحدانية الله تعالى، وأن له الخلق والأمر لا شريك له في ذلك، والإسلام إسلام المرء نفسه بكليتها لله تعالى بالعبودية له من غير شرك، فحصلا من طريق المراد منهما على معنى واحد. ولو كان الاسمان متغايرين لتصور وجود أحدهما بدون الآخر ولتصور مؤمن ليس بمسلم، أو مسلم ليس بمؤمن، فيكون لأحدهما في الدنيا أو الآخرة حكم ليس للآخر وهذا باطل قطعاً. وقال في "الكفاية": الإيمان هو تصديق الله فيما أخبر من أوامره ونواهيه، والإسلام هو الانقياد والخضوع لألوهيته، وإذا لا يتحقق إلا بقبول الأمر والنهي، فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكماً فلا يتغايران، وإذا كان المراد بالاتحاد هذا المعنى صح التمسك فيه بالإجماع، على أنه يمتنع أن يأتي أحد بجميع ما اعتبر في الإسلام ولا يكون مؤمناً، وعلى أنه ليس للمؤمن حكم لا يكون للمسلم وبالعكس، وعلى أن دار الإيمان دار الإسلام وبالعكس، وعلى أن الناس كانوا في عهد النبي عليه السلام ثلاث فرق مؤمن وكافر ومنافق لا رابع لهم (٢).ويقول إمام الجويني في العقيدة النظامية: "فإن قيل هل يفرق بين الإيمان والإسلام، قلنا: وقد يطلق والمراد به الإذعان والاستسلام ظاهراً من غير إظهار حقيقة الإيمان، قال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات: ١٤] فالمؤمن إذن المستسلم، وقد لا يكون المستسلم مؤمناً فكل مؤمن على ذلك مسلم وليس كل مسلم مؤمناً" (٣).


(١) اللقاني، عبدالسلام بن إبراهيم المالكي، ((إتحاف المريد بجوهرة التوحيد))، تعليق الشيخ محمد يوسف الشيخ، (ص: ٣٨ - ٤٠).
(٢) التفتازاني، سعد الدين عمر، ((شرح المقاصد))، (٢/ ٢٥٩ - ٢٦٠).
(٣) إمام الحرمين أبو المعالي عبدالملك الجويني، ((العقيدة النظامية))، بتحقيق محمد زاهد الكوثري، (ص: ٦٣)، ط مطبعة الأنوار، سنة ١٣٦٧ هـ - ١٩٤٨م.

<<  <  ج: ص:  >  >>