للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمما تقدم من النصوص يتضح لنا أن مذهب الأشاعرة في الصلة بين الإيمان والإسلام مبني على الخلاف، إذ لم يتفقوا فيها على رأي بل اختلفوا في ذلك على قولين:

١ - أن الإيمان والإسلام متغايران ذاتاً ومفهوماً مع القول بتلازمهما شرعاً في الوجود بمعنى أنه لا يوجد مسلم بمؤمن، كما أنه لا يمكن وجود مؤمن ليس بمسلم مع اختلاف حقيقتي الإيمان والإسلام وهذا الرأي عزاه – كما تقدم – الشيخ اللقاني إلى جمهور الأشاعرة، وهو ما اختاره إمام الحرمين نفسه وقال به كما يتضح لنا من كلامه المتقدم، ولعله قصد بقوله فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً أن الانقياد والاستسلام قد يحصل بدون تصديق فلا يعتد به، أما التصديق إذا حصل فلابد وأن ينتج الانقياد والاستسلام الذي هو معنى الإسلام فيكون بذلك مؤمناً مسلماً وإلا فهو يقول – كغيره من أصحاب هذا الرأي – بالتلازم بين الإيمان والإسلام في الوجود. وقد قال بهذا القول وأيده بشدة تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعية" (١).

٢ - أن الإيمان والإسلام متحدان، بمعنى أنهما مترادفان مفهوماً ومراداً، ومتساويان في الوجود، فكل متصف بأحدهما، فهو متصف بالآخر من الناحية الشرعية. وهذا يشبه ما تقدم في الرأي الأول من القول بالتلازم في الوجود، مما حدا بشارح "جوهرة التوحيد" إلى اعتبار الخلاف بين الرأيين لفظي باعتبار النتيجة والمآل، وهو في الحقيقة كذلك.

فعند هؤلاء لا يعقل بحسب الشرع مؤمن ليس بمسلم أو مسلم ليس بمؤمن، وهو مرادهم من الترادف. وهذا الرأي – كما تقدم – اختيار الشيخ التفتازاني وعزاه إلى الجمهور، ورواه عن أبي المعين النسفي من كتابه (تبصرة الأدلة) وضمنه بعض الأدلة على إثباته وترجيحه.

فمن أدلته: الإجماع على أنه لا يمكن أن يأتي أحد بجميع ما اعتبر في الإيمان ولا يكون مسلماً، أو بجميع ما اعتبر في الإسلام ولا يكون مؤمناً، وعلى أنه ليس للمؤمن حكم خاص به ولا يكون للمسلم وبالعكس إلى آخر ما ذكر من المسائل. وقد ساق بعد ذلك أدلتهم السمعية بقوله:

"والمشهور من استدلال القوم وجهان:

أحدهما: أن الإيمان لو كان غير الإسلام لم يقبل من مبتغيه لقوله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: ٨٥].وثانيهما: أنه لو كان غيره لم يصح استثناء أحدهما من الآخر ... لقوله تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات: ٣٥ - ٣٦]، أي فلم نجد ممن كان فيها من المؤمنين إلا أهل بيت من المسلمين" (٢).

وبعد أن ذكر التفتازاني هذا الرأي، واستدل له، التفت إلى الرأي الآخر وعزاه إلى الحشوية – على حد تعبيره – وبعض المعتزلة، وهو رأي في نظره باطل.


(١) السبكي، تاج الدين أبو نصر عبدالوهاب بن علي بن عبد الكافي، ((طبقات الشافعية))، تحقيق محمد محمود الطناحي، وعبدالفتاح محمد الحلو، ط١ مطبعة عيسى الحلبي، سنة ١٣٨٣هـ - ١٩٦٤م.
(٢) التفتازاني، ((شرح المقاصد)) (٢/ ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>