للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: لا يبالون بالجنة ولا بالنار]

وأنشد محمد أمين الكردي هذين البيتين إلى ربه

أحبك لا أرجو بذلك جنة ... ولا أتقي نارا وأنت مراد

إذا كنت لي مولى فأية جنة ... وأية نار تتقى وتراد (١)

ونقل قول رابعة العدوية: «ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ولكن لوجهك الكريم». وقول أرسلان الدمشقي: «من عبد الله لأجل الجنة والنار فهو طاغوت» (٢).

وهذه هي المرة الأولى يتحدث فيها صوفي عن الطواغيت. ولكن الطواغيت عنده هم الذين يرجون ثواب الله ويخافون عقابه، ويسألونه جنته ويخافون نيرانه. وقد جهل هؤلاء أن الخوف من النار ورجاء الجنة عبادة بحد ذاتها لله عز وجل. وقد أمرنا الله بما تنهانا عنه رابعة العدوية فقال وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف: ٥٦] , قال الطبري: «أي لا تشركوا في عملكم لله شيئًا غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه. وإن من كان دعاؤه إياه على غير ذلك فهو بالآخرة من المكذبين لأن من لم يخف عقاب الله ولم يرج ثوابه لم يبال ما ركب من أمر يسخطه الله ولا يرضاه» (٣).وقال رسول الله: ((لا يجتمعان - يعني الخوف والرجاء - في قلب عبد في مثل هذا الموطن - أي عند الاحتضار - إلا أعطاه الله الذي يرجو وأمنه مما يخاف)) (٤).

وما قاله الطبري حق. فإن مطالبة الصوفية بحب الله حبا مجردا من طلب الجنة واجتناب النار زادهم جرأة وزندقة فاسمع ما تتناقله كتب النقشبندية عن أبي يزيد:

أريدك لا أريدك للثواب ... ولكني أريدك للعقاب (٥)

وحكى عنه ابن الجوزي أنه قال: «إن لله عبادا لو بصقوا على جهنم لأطفئوها» «ولقد وددت أن قامت القيامة حتى أنصب خيمتي على جهنم، فسأله رجل: ولم ذاك يا أبا يزيد؟ فقال: إني أعلم أن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق» ثم قال: «اللهم إن كان في سابق علمك أن تعذب أحدا من خلقك بالنار فعظم خلقي حتى لا تسع معي غيري» وقال: «وما النار؟ والله لئن رأيتها لأطفئنها بطرف مرقعتي» (٦).وكان يقول فيما تتناقله كتب النقشبنديين «إن لله عبادا لو حجبهم في الجنة عن رؤيته لاستغاثوا بالخروج من الجنة كما يستغيث أهل النار للخروج من النار» (٧).


(١) ((نوير القلوب في معاملة علام الغيوب)) (٤٨٦).
(٢) ((الأنوار القدسية في مناقب النقشبندية)) (١٣٥).
(٣) ((تفسير الطبري)) (٨/ ١٤٧).
(٤) رواه الترمذي (٩٨٣) وابن ماجه (٤٢٦١) والنسائي في ((الكبرى)) (٦/ ٢٦٢) وأبو يعلى (٦/ ٥٧) (٣٣٠٣) وقال الترمذي حسن غريب، وحسنه ابن العربي في ((العارضة)) (٢/ ٣٧٠) والألباني في ((صحيح الترمذي)).
(٥) ((المواهب السرمدية)) (٤٥).
(٦) ((تلبيس إبليس)) (٣٤١ ٣٤٣ و٣٤٦).
(٧) ((المواهب السرمدية)) (٤٩) ((الأنوار القدسية)) (٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>