للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: العامل الاقتصادي]

ونعني بهذا العامل أن الخوارج خرجوا مدفوعين - كما قيل - بنقمتهم على ما ظنوه جورا في توزيع الفيء والغنائم، فقاموا بما قاموا به طلبا للمال. ويرى الطالبي أن العامل الاقتصادي في ظهور الخوارج عامل له أهميته وخطورته إلى جانب عامل العصبية، وينقل في ذلك عن ابن حجر أن أبا عوانة يعقوب بن إسحاق النيسابوري ترجم في مسنده للأحاديث الواردة في الخوارج بقوله: بيان أن سبب خروج الخوارج كان بسبب الأثرة في القسمة مع كونها كانت صوابا فخفي عنهم ذلك (١).والواقع أن النقمة بسبب تقسيم الفيء بدأت حتى منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وقع من ذي الخويصرة حيث اعتبرها الشهرستاني وابن الجوزي (٢) من عوامل نشأة الخوارج، وإن خروجهم يبتدئ من هذا الوقت، وإن كانت فيما يظهر لي أنها من الوقائع اليومية التي تجري بها العادة بين الناس لما جبلت عليه النفوس من حب المال والتطلع إلى الإكثار منه، وأنها مرت في حياة المسلمين مرورا عاديا دون أن تكون لها نتائج مباشرة؛ ذلك أن ذا الخويصرة لم يكن مدفوعا فيما قاله للنبي صلى الله عليه وسلم بعصبة تحرضه على ذلك وإنما دفعته – كما قلنا – نزعته الفردية ولا سيما وأنه يعرف من عطف النبي صلوات الله وسلامه عليه ورحمته ما شجعه على ذلك.

ولهذا فإننا نلغي من حسابنا هذه الواقعة في دراسة مدى تأثير العامل الاقتصادي على قيام الخوارج، بل لقد ألغيناها سابقا كبدء لظهور فرقة الخوارج، وإن عددنا سابقة من السوابق التاريخية في تطلع الناس إلى الغنائم ونقمتهم على تقسيمها. ولقد ظهر ذلك بصورة واضحة كعامل من العوامل المحركة للثورة على عثمان رضي الله عنه؛ فبعد الهجوم عليه وقتله من قبل الثائرين تنادوا في الدار: أدركوا بيت المال لا تسبقوا إليه، وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم وليس فيه إلا غرارتان - كما يقول الطبري، أو كان فيه مال كثير كما يقول ابن كثير - فقالوا: النجا النجا، فإن القوم إنما يحاولون الدنيا فهربوا وأتوا بيت المال فانتهبوه (٣).

ولقد كان عثمان رضي الله عنه متهما عند هؤلاء الثائرين عليه بإيثار قرابته بالعطايا على حساب بقية المسلمين، من بيت المسلمين ومن ذلك ما يرويه صاحب كشف الغمة من أن عثمان أعطى مروان من بيت المال مائة ألف وأنه أنفق على نفسه ودوره من بيت المال، وأنه جعل الصدقة لنفسه ولأهل بيته دون من جعلها الله لهم، ونقص أهل بدر أعطياتهم كل واحد ألفا ألف عما فرض لهم عمر رضي الله عنه، وكنز الذهب والفضة ... إلخ تلك الافتراءات التي اعتبروا فيها عثمان قد جار في توزيع الأموال، وأنه يستحق بذلك الخروج عليه. وقد أورد ابن أبي الحديد روايات في إعطاء عثمان أقاربه وأهله من بيت المال الشيء الكثير، ثم قال: والذي نقول نحن: إنها وإن كانت أحداثا إلا أنها لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه. وذكر أيضا في موضع آخر من كتابه شرح (نهج البلاغة) دفاعا عن عثمان للقاضي عبد الجبار وردا عليه من المرتضى (٤).


(١) ((آراء الخوارج)) (ص٥١)، ((فتح الباري)) (١٢/ ٣٠١).
(٢) ((الملل والنحل)) (١/ ٢١). ((تلبيس إبليس)) (ص٩٠).
(٣) ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٣٩١)، ((البداية والنهاية)) (٧/ ١٨٩).
(٤) انظر: ((نهج البلاغة)) (١/ ١٩٩)، و (٢/ ٣٢٤ - ٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>