للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولسنا في مقام تحقيق ما ينسب إلى عثمان رضي الله عنه في هذا الجانب أو في بيان نقده أو ذكر محامله الشرعية، فذلك له مقام آخر، وإنما نقصد هنا بيان أثر العامل الاقتصادي في ثورة الثائرين عليه. ومما لا شك فيه أن بعض عماله رضي الله عنه قد ساعدوا على تحريك هذا العامل في نفوس الناس بما وقع من فلتات كلامهم أو بعض تصرفاتهم، ونذكر في هذا المقام ما قاله سعيد بن العاص والي العراق من قبل عثمان وهو يسامر بعض وجوه أهل الكوفة فقد قال لهم: إنما هذا السواد – يعني به سواد العراق – بستان لقريش. فقال الأشتر: أتزعم أن السواد الذي أفاء الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك، والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيبا إلا أن يكون كأحدنا. وتكلم معه القوم (١).ومن هنا بدأت الفتنة في الاشتعال وبدأ سب الولاة والخليفة نفسه، وكانت هذه الحادثة نواة لأحداث أثمرت فيما بعد الهجوم على الخليفة نفسه في المدينة حتى قتلوه، ويصف معاوية رضي الله عنه أولئك الناقمين على عثمان في العراق في كتاب بعث به إليه يقول عنهم: إنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة (٢).

وهكذا يتبين لنا أن للعامل الاقتصادي أثره في الثورة على عثمان رضي الله عنه، فهل كان الدافع لخروج الخوارج على علي أيضا هو العامل الاقتصادي؟ الجواب نعم ... إنه كان سببا من أسباب خروجهم عليه، وذلك حين منعهم من سبي أهل الجمل، بل هو أول ما نقموا عليه من الأمور كما عبروا عن هذا بقولهم له: " أول ما نقمنا منك أنا قاتلنا بين يديك يوم الجمل، فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا في عسكرهم من المال ومنعتنا سبي نسائهم وذراريهم (٣).

ونقول: إن العامل الاقتصادي كان من أسباب خروج الخوارج على الإمام علي، ولكنه لم يكن السبب الوحيد كما ظهر لنا من استعراض الأسباب الأخرى. وكما قلنا من أن كل ظاهرة اجتماعية معقدة تكمن وراءها أسباب دينية واجتماعية واقتصادية متشابكة.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص١١٨


(١) ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٣٢٣).
(٢) ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ١٤١).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (ص٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>