المطلب الرابع: الإيمان والإسلام ومن المسائل التي وقع فيها نزاع وخلاف بين طوائف المسلمين مسألة الفرق بين مسمى الإيمان والإسلام وذلك "لكثرة ذكرهما وكثرة كلام الناس فيهما والاسم كلما كثر الكلام فيه فتكلم به مطلقا ومقيدا بقيد آخر في موضع كان هذا سببا لاشتباه بعض معناه ثم كلما كثر سماعه كثر من يشتبه عليه ذلك ومن أسباب ذلك أن يسمع بعض الناس بعض موارده ولا يسمع بعضه ويكون ما سمعه مقيدا أوجبه اختصاصه بمعنى فيظن معناه في سائر موارده كذلك فمن اتبع علمه حتى عرف مواقع الاستعمال عامة وعلم مأخذ الشبهة أعطى كل ذي حق حقه وعلم أن خير الكلام كلام الله وأنه لا بيان أتم من بيانه"(١).
وللناس في المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: أن الإسلام والإيمان اسمان لمسمى واحد.
الثاني أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل.
الثالث التفصيل وذلك بأن حالة اقترانهما غير حالة إفرادهما فإذا اقترنا كان المقصود بالإسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة وإذا أفردا كان معناهما واحدا ودخل أحدهما في الآخر ويكون المقصود جميع أمور الدين الظاهرة والباطنة.
والماتريدية في هذه المسألة ذهبت إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد وأنه لا تغاير بينهما ولا ينفك أحدهما عن الآخر وإذا زال أحدهما زال الآخر واستدلوا على قولهم هذا بعدة أدلة ذكرها الماتريدي وتابعه عليها عامة الماتريدية قال الماتريدي:
" وأما القول عندنا في الإيمان والإسلام أنه واحد في أمر الدين في التحقيق بالمراد وإن كانا قد يختلفان في المعنى باللسان ....
ثم من جهة التحقيق بالمراد في الدين إن الإيمان هو اسم لشهادة العقول والآثار بالتصديق على وحدانية الله تعالى وأن له الخلق والأمر في الخلق لا شريك له في ذلك والإسلام هو إسلام المرء نفسه بكليتها وكذا كل شيء لله تعالى بالعبودية لله لا شريك فيه فحصلا من المراد فيهما على واحد ...
ثم الأصل أنه من البعيد عن العقول أن يأتي المرء بجميع شرائط الإيمان ثم لا يكون مسلما أو يأتي بجميع شرائط الإسلام ثم لا يكون مؤمنا ثبت أنهما في الحقيقة واحد ومعلوم أن الذي يسع له التسمي بأحدهما يسع بالآخر وأن الذي به تختلف الأديان إنما هو الاعتقاد لا بأفعال سواه وبالوجود يستحق كل الاسم المعروف لذلك وجب ما قلنا.
وقد قال الله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:١٩] وقال: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:٨٥] فالمؤمن بالصفة التي يصير بها مؤمنا لا يخلو من أن يكون أتى بالإسلام الذي هو الدين عند الله أو أتى ببعضه لا كله أو ابتغى غير دين الله فإن قال بالأول أذعن للحق وإن قال بالثاني فهو إذا لم يبتغ به دينا إنما ابتغى بعضه وذلك بعيد بل شهد الله على مثله بأنه كافر حقا وإن قال بالثالث صير دار المؤمنين النار وأبطل جميع ما جاء به الرسل من الأمر بالإيمان بهم.