للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - رؤية الله تعالى]

لقد كثر الجدل بين علماء الفرق حول مسالة رؤية الله، وأخذ كل فريق يؤيد مذهبه بأدلة يزعم أنها تؤيد ما يذهب إليه من إثبات الرؤية أو نفيها. أما فيما يتعلق بغرضنا هنا وهو بيان موقف الخوارج بصفة عامة والإباضية منهم بصفة خاصة من هذه المسألة، فإن الخوارج يذهبون إلى استحالتها تنزيهاً لله بزعمهم-يقول النووي: " زعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلاً" (١).ويقول ابن أبي العز: " المخالف في الرؤية الجهمية والمعتزلة، ومن تبعهم من الخوارج والإمامية" (٢).

وقد استدل الإباضية على نفيها من القرآن الكريم بقوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: ١٣].ويصف صاحب كتاب (الأديان) هذا الدليل بأنه يقر أن " الله سبحانه نفى عن نفسه الرؤية محكمة غير متشابهة ولا متصرفة في المعاني، وهو قوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ " (٣).

ويستدلون أيضاً بقوله تعالى: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف: ١٤٣].

ويرد صاحب كتاب (الأديان) على من يحتج بقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: ٢٢، ٢٣]، الذي يستدل به على إثبات الرؤية – يرد عليه بتأويل الآية تأويلاً بعيداً لا يخفى فيه التكليف والتعسف وهو من التأويلات المذمومة؛ فقد فسر نَّاضِرَةٌ بأنها حسنة مشرقة مستبشرة بثواب ربها وفسر إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ أي منتظرة لما يأتيها من خيره وإحسانه.

واستشهد بعدة أبيات شعرية على أن ناظرة تأتي بمعنى منتظرة، ومنها قول الشاعر:

فإن يك صدر هذا اليوم ولى فإن غداً لناظره قريبوبعد أن أورد تلك الشواهد قال: " فقد دل الكتاب واللغة على صحة ما ذهبنا إليه وبطلان ما ذهب إليه مخالفونا " (٤) ويعني بهم المثبتين للرؤية. أما من السنة فقد استدلوا بأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مسروق الذي يرويه عن عائشة رضي الله عنها: (يا أمتاه هل رأى محمد ربه ليلة الإسراء؟ فقالت: لقد قف شعري (أي قام فزعاً) مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب؟! من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء) إلخ الحدث (٥). كما رواه صاحب (وفاء الضمانة) الإباضي (٦) .. ثم قال معقباً عليه: " والحديث دليل لأصحابنا كالمعتزله على نفي الرؤية دنيا وأخرى؛ لأن ما كان نفيه تنزيهاً يكون عاماً في الدنيا والآخرة.


(١) ((شرح النووي)) (٣/ ١٥).
(٢) ((شرح الطحاوية)) (ص ١٢٩).
(٣) كتاب ((الأديان والفرق)) (ص ٥١).
(٤) كتاب ((الأديان والفرق)) (ص ٥٢).
(٥) رواه البخاري (٤٨٥٥)، ومسلم (١٧٧). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٦) ((وفاء الضمانة)) (ص ٣٧٦/ ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>