للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد وصف الله نفسه بعدة صفات فقال تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن: ٢٧]، وقال تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة: ٦٤] , وقال تعالى إخباراً عن عيسى أنه قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة: ١١٦] , وقال تعالى وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢] , وقوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ [البقرة: ٢١٠] , وقوله: رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [المائدة: ١٩] وقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: ٥٤]. وقوله في الكفار وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح: ٦] ,، وقوله اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد: ٢٨] ,، وقوله كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ [التوبة: ٤٦] , وقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: ٥] وكذا قوله: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء [الملك: ١٦] ,ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ينزل ربنا إلى سماء الدنيا)) (١)، وبقوله: ((يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)) (٢)، وقوله: ((يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة)) (٣)، وقوله للجارية: ((أين الله؟ قالت: في السماء، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)) (٤).وفي إثبات ما تقدم يقول ابن قدامة رحمه الله: "فهذا وأمثاله مما صح سنده وعدلت رواته، نؤمن به ولا نرده، ولا نجحده، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره، ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين، ونعلم أن الله سبحانه لا شبيه له ولا نظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١] , وكل ما يتخيل في الذهن إن خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه" (٥).

وهكذا يرد مذهب السلف في الصفات الخبرية كل ما ادعاه الإباضية وغيرهم من المأولة؛ من أن إثبات هذه الصفات يؤدي إلى التشبيه وإثبات الجوارح، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فإثبات الكتاب والسنة لتلك الصفات هو في حدود قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص: ١ - ٢] , وهذا التنزيه لا يتنافى مع إثبات الكمالات لله تعالى، حسبك أن ترى آية التنزيه في القرآن أثبتت لله صفتي السمع والبصر مع إثبات صفات الكمال، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، فسمعه وبصره ليس كأسماعنا وأبصارنا، وهكذا كل ما وصف الله به من الصفات وأسند إليه من الأفعال.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٢٦٧


(١) رواه مسلم (٧٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه أحمد (٤/ ١٥١) (١٧٤٠٩)، والطبراني (١٧/ ٣٠٩)، وأبو يعلى (٣/ ٢٨٨). من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٢٧٣)، والسخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (ص١٥١): إسناده حسن. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢٨٤٣): إسناده جيد.
(٣) رواه البخاري (٢٨٢٦)، ومسلم (١٨٩٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه مسلم (٥٣٧). من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.
(٥) انظر: ((لمعة الاعتقاد)) (ص ١٢ - ١٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>