للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففيما يتعلق بنفيهم لصفات الكمال الإلهي من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والحياة وغيرها، وأنه ليس هناك إلا الذات مجردة عن صفاتها القائمة بها؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد أثبت لنفسه تلك الصفات، وقال تعالى في إثبات صفة العلم: أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء: ١٦٦] , وقال تعالى: حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ [التوبة: ٦] , وقد سمى الله تعالى نفسه بالأسماء الحسنى كالحي القيوم، وعالم الغيب والشهادة، والقوي المتين، والسميع البصير، إلى غير ذلك من الأسماء المشتقة التي يستحيل تسمية الله تعالى بها بدون أن تقوم بها مصادرها الاشتقاقية وهي الصفات القائمة بذاته تعالى من العلم والحياة والسمع والبصر .. إلخ، ولو لم يكن إلا الذات لكان العلم قدرة، والقدرة إرادة، ثم كيف تكون الذات الإلهية مجردة عن كمالاتها ثم يكون لها علم بالأشياء أو قوة عليها أو إرادة لها؟!

إن من المستحيل وجود الذات بدون صفات، وهكذا يستحيل خلو الذات الإلهية من صفاتها القائمة بها. هذا ولم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أو السلف الصالح مثل هذا النفي لصفات الله تعالى عن ذاته، بل نعتوه سبحانه وتعالى بكل نعوت الكمال والعظمة والجلال، دون أن يجدوا فيما أثبتوه له تشبيهاً له سبحانه وتعالى بخلقه، فكما تنزهت ذاته عن مشابهة ذوات المخلوقين، فكذلك تتنزه صفاته عن مشابهة صفاتهم.

وفيما يتعلق بالصفات الخبرية التي أولها الإباضية – سواء منها صفات الذات أو صفات الفعل- فإنهم لم يفعلوا أكثر من ترديدهم لما قاله غيرهم من المؤولة. ومذهب السلف في أمثال هذه الصفات هو ما قاله عنهم ابن تيمية من "أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، ومن غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل" (١)، وهذا هو التوحيد في الصفات كما سماه بذلك في كتابه (الرسالة التدمرية) (٢).ويقول ابن القيم: "لا ريب أن الله وصف نفسه بصفات وسمي نفسه بأسماء، وأخبر عن نفسه بأفعال، وأخبر أنه يحب ويكره ويمقت ويغضب ويسخط ويجيء ويأتي وينزل إلى السماء الدنيا، وأنه استوى على عرشه، وأن له علماً وحياة وقدرة وإرادة وسمعاً وبصراً ووجهاً، وأن له يدين وأنه فوق عباده وأن الملائكة تعرج إليه وتنزل من عنده، وأنه قريب وأنه مع المحسنين ومع الصابرين ومع المتقين، وأن السموات مطويات بيمينه، ووصفه رسوله بأنه يفرح ويضحك، وأن قلوب العباد بين أصابعه وغير ذلك" (٣).

ثم استمر ابن القيم بعد هذا الكلام في مناقشة المتأولة لتلك الصفات، مثبتاً في مواضع كثيرة عقيدة السلف وطريقتهم في إثبات تلك الصفات لله تعالى على ما يليق بجلال الله وعظمته دون تعطيل أو تمثيل أو تأويل، مما يطول المقام لو نقلنا كلامه فيه. ويقول ابن تيمية: "ومن تمام التوحيد أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، ويصان ذلك عن التحريف والتعطيل والتكييف والتمثيل" (٤).


(١) ((الفتوى الحموية)) (ص ١٠١).
(٢) ((الرسالة التدمرية)) (ص ٦).
(٣) ((مختصر الصواعق)) من (ص ١٦ - ٢٩).
(٤) ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>