للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول: دولة الإباضية في عُمان دخل المذهب الإباضي إلى عمان مبكرا واستقر هناك وتكون له أتباع وأخذوا في الازدياد مع مرور الزمن إلى أن أصبح كما يقول لوريمر: " يتمتع بنفوذ واسع أو على الأقل له من النفوذ مثل ما لغيره "، " وسرعان ما تبنى أهل عمان مبادئ المذهب الإباضي ويقال إنه بمطلع القرن ١٣م لم تصبح هذه المبادئ مسيطرة فقط ولكنها أصبحت لها صفة عامة تقريبا " (١).

وهكذا انتشر المذهب الإباضي في تلك البقاع النائية من الجزيرة العربية ذات المسالك الوعرة التي ساعدتهم في استقلالهم الذي طالما كانوا ينزعون إليه في عهد الدولتين الأموية والعباسية، متأثرين بنظريتهم الخاصة تجاه الخلافة الوراثية في دمشق أو بغداد وهو ما لا يتفق وآراؤهم الاعتقادية.

أما عن الكيفية التي دخل بها المذهب إلى هناك فمن المعروف أن معركة النهروان قد أتت على قسم كبير منهم ونجا منها من كتبت له النجاة، وبعدها فر من بقي منهم إلى مناطق بعيدة عن مركز الخلافة وأخذوا في نشر مبادئ الخوارج بين القبائل التي آوتهم يغمرهم الحقد الدفين على ما ناله إخوانهم من قتل على يد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأتباعه، ومن هنا يذهب لوريمر إلى القول بأن الذي أنشأ المذهب في عمان هو رجل من الخوارج الذين نجوا من تلك المعركة. " ويقال إن مبادئ الإباضية أدخلها إلى عمان أحد الخوارج الذين نجوا من الهلاك الذي حل بجماعتهم كحزب سياسي على يد علي بن أبي طالب في معركة النهروان، وهذا يؤكد أن مذهب الإباضية يرجع في أصله إلى الخوارج" (٢). بينما يرى السالمي أن انتشار المذهب الإباضي في عمان كان على يدي عبد الله بن إباضي ويقول في ذلك: " والرواة المسلمون يذكرون بأنه قدم إلى عمان رجلان أحدهما الإمام عبد الله بن إباضي ونشر هناك مبادئ المحكمة (٣) "

وسوف يكون لنا في الفصل التالي حديث عن فرقة الإباضية وعن بدء نشأتها وسبب نسبتها بعد ذلك إلى عبد الله بن إباضي.

وعلى كل فقد اشتد ساعد المذهب الإباضي في عمان ومن هنا اتجهوا إلى التفكير في إقامة دولة باسمهم مستقلة بنفسها عن التبعية للخلافة العباسية، وقد بدأت محاولة تكوين تلك الدولة سنة ١٢٩هـ في آخر دولة بني أمية وأول دولة بني العباس.

فلما أنس أهل عمان من أنفسهم القوة ثاروا بقصد الاستقلال عن الخلافة وكان ذلك على عهد السفاح وولاية أخيه المنصور على العراق الذي عين بدوره واليا من قبله على عمان، إلا أن العمانيين كانت نظرتهم كنظرة أسلافهم من الخوارج يرون أن توارث الخلافة أمر غير شرعي، لهذا فلم تكن الدولة العباسية بأحسن حالا من الدولة الأموية عندهم.

فقامت الثورة في عمان وانتخبوا أول إمام لهم وهو " الجلندي بن مسعود بن جيفر الأزدي " ولكنه لم يدم في الحكم إلا سنتين وشهرا واحدا؛ إذ إن نزعته إلى استقلال عمان عن الدولة العباسية أغضبتهم عليه فتقابل في معركة مع جيش الخلافة الذي يقوده خازم بن خزيمة، والتحموا في معركة أسفرت عن قتل الجلندي وأصحابه وانتهت حركة النزوع إلى الإمامة وظلت عمان جزءا من الدولة العباسية إلى سنة ١٧٧هـ.


(١) ((دليل الخليج)) (٦/ ٣٤٠٣).
(٢) ((دليل الخليج)) (٦/ ٣٤٠٣).
(٣) ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>